علي رسول الربيعييعود أهتمامي في مناقشة العلاقة بين التعددية والدين في اطار قضية كبرى تشغل تفكيري وهي علاقة الدين بالسياسة والدولة في سياق النظرية السياسية الليبرالية أجمالا. ولأني أرى بناءً على الأنتشار الواسع للدين في الفضاء العمومي والحضور القوي في تاثيره على الساحة السياسية، أنه من له راهنية أن تكون هناك نظرية سياسية تفسح مجالا للدين في السياسة ولكن تفصل الدين عن الدولة. قدم هابرماز تنظيرا مهما عن الدين والفضاء العام، كما قدم عبد الله النعيم[1] مرافعة فكرية قانونية تعبر عن رؤية مهمة عن العلاقة التي اشرنا اليه تلك. وبناءً على ماتقدم أرغب أن اضع النقاش في سياق منهجية تشخيصية تلافيا لحالة أختلاط المفاهيم، فأتناول قضية التعددية والدين من مدخل نظرية العلمنة. تشكل نظرية العلمنة الموضوع الرئيسي لهذه الدراسة. لن أضع تقييماً شاملاً للحالة لنقاش الراهنة حول نظرية العلمنة؛ ليس فقط لأن هذا المشروع يتطلب مجلدات كبيرا تناقش هذه القضية الجوهرية الكبرى، ولكن ما يتطلبه الأمر يتجاوز قدراتي أيضاً. بدلاً من ذلك، سأناقش مجموعة محدودة من المتطالبات المرتبطة بهذه النظرية. ماهي المتطلبات هذه؟ بكل وضوح هي أن نظرية العلمنة، مثلها مثل أي نظرية علمية، تتكون من عنصرين رئيسين. أولاً، عنصر تجريبي: أن يحدد المُنظر العلماني مجموعة من الحقائق تدل على تراجع الالتزام الديني؛ وأن تثبت أي صيغة لنظرية العلمنة يمكن الدفاع عنها، أو على الأقل أن يثبت، أن هناك نوعًا من الانحدار حصل للدين على المدى الطويل. ثانياً، عنصر تفسيري: نظرًا للحقائق ذات الصلة بالتراجع الديني، يقع على مُنظِر العلمنة مهمة أن يسرد تاريخ يربط هذه الحقائق في طريقة ملائمة ومقنعًة ومطابقة تجريبيًا. ببساطة، يجب عليه اشرح لماذا الحقائق عن التدهور الديني حدثت كما هي بالفعل. وأن يثبت أن كلا من المكونات أو العناصر الواقعية والتفسيرية لنظرية العلمنة تثبت أن معظم المجتمعات في العالم اليوم، أكثر تديناً مما كانت عليه في عقدو ماضية.
تتمة موضوع " التعددية والدين (1) د. علي رسول الربيعي"
عدنان عويدكثيراً ما قامت الأحزاب الحاكمة، وبخاصة من منظومة الأحزاب (الديمقراطية الثورية) المتبنية لمشروع الاشتراكية العلمية في محاربة الفكر الليبرالي، شأنها شأن القوى الأصولية الدينية الرافضة للآخر، وفي مقدمة ما حاربوا من هذه القيم النبيلة، الديمقراطية الليبرالية في صيغتها التقدمية التي تبنتها الطبقة البرجوازية في بداية نشوئها ونضالها ضد قوى الاستبداد ممثلة بسلطات الملك والنبلاء والكنيسة، منطلقين من مقولة لماركس قد فهموها خارج سياقها التاريخي بالنسبة لتطور الطبقة البرجوازية بعد أن تحولت إلى طبقة احتكارية استعمارية، وهي: (إن الطبقة العاملة في الأنظمة الرأسمالية تختار من يقمعها في البرلمان كل أربع سنوات). لا شك أن هذه المقولة تنطبق تماماً على الطبقة الرأسمالية الأوربية بعد أن تحولت إلى طبقة احتكارية استعمارية، بعد استلامها الحكم، وتحكم شهوة السلطة السياسية، وسلطة الربح الفاحش بها من خلال استغلالها لشعوبها واستعمارها لشعوب العالم الثالث. وهذا ما جعلها تتخلى عن كل قيمها ومبادئها الليبرالية التي نادت بها في بداية انطلاقتها، وهي القيم المشبعة بالمفاهيم الإنسانية، كالحرية والعدالة والمساوة.
تتمة موضوع " القيم الإنسانية لليبرالية د. عدنان عويّد"