تكمن هوّة عظيمة بين العلم والعبادة كتلك الموجودة بين الكمال والنّقص. وملايين السّنين الّتي مضت والأخرى الآتية تسهم في اتّساع هذه الهوّة ما لم يتيقّن الإنسان أنّ الوجود الإلهيّ الخارج عن الزّمان والمكان، مغاير تماماً للوجود الإنسانيّ. وكلّ فكر يؤكّد علمه بهذا الوجود الإلهي أو يحتكر الحقيقة لشخصه أو جماعته يعيق التّأمّل وتطوّر الفكر ونموّه بحكم السّيطرة على العقول وإشغالها بصراعات تافهة مع أنّها تبدو مصيريّة. وهي تافهة وسطحيّة قياساً على الرّؤية التّأمّلية بهذا الوجود، والأكوان المحيطة بنا، وحضور الإنسان الهزيل في هذه الأكوان، وعدم قدرته على استيعابها، ورؤيته الملتبسة لها. ولئن كان الاستيعاب العقليّ والفكريّ للوجود المادّيّ ضعيف فلا ريب أنّ القدرة على استيعاب الوجود الإلهيّ أضعف، بل معدوم إلّا من خلال التّصوّرات العقائديّة الّتي بالكاد تقدّم تمتمات عن الحضور الإلهيّ. وبقدر ما يعي العقل أنّه عاجز عن إدراك هذا الحضور بتمامه، وبقدر ما يقتنع بأنّ الدّخول إلى عالم الوجود الإلهيّ اختبار شخصيّ وعلاقة عميقة لا يمكن تفسيرها أو تأكيدها بالأدلّة القاطعة، لأنّ الدّليل مشخّص ومرتبط بين الإنسان والله، تتهاوى الصّراعات والنّزاعات الّتي يقودها الإنسان بشكل عام باسم الله.
تتمة موضوع " الذات الإلهيّة بين العلم والعبادة ـــــــ مادونا عسكر"