نريد هنا ان نوضح منذ البداية : ان لا تصادم ولا تعارض ولا تناقض بين الليبرالية والدين من حيث هما ، أي من حيث إن الليبرالية هي بنية معرفية أو هي نظرة بإتجاه حياة حرة وسعيدة للجميع ، تنسجم هذه الرؤية مع الدين الإلهي من حيث هو دعوة للخير والسلام والمحبة ..
هذا التعريف الأولي أو الأبتدائي - لليبرالية والدين - يقدم لنا صورة مغايرة لتلك الصورة النمطية التي تحاول صُنع الإفتراق والتناقض والتصادم بين الليبرالية والدين ، وبما إننا هنا لا نتناول الموضوع من وجهة نظر فلسفية ولا من حتى وجهة نظر سياسية خالصة ، بل من خلال مفهوم اللفظين والمعنيين حسب الواقع وبالفعل ، وهذا الإتجاه الذي ننحوه فائدته من أجل الجميع ، نريد منه أو نتوخى دفعاً لذلك الشائع والذي تروجه أو يروجه أصحاب المذاهب السياسية العتيقة ، التي تُحرك الأشياء وفق رغبات مصلحية لاتمت للحقيقة بصلة ، ودعونا نلقي الضوء على ماهو شائع بالفعل في تسمية العناوين والمفردات في غير ما وضعت له .
ففي الإوساط العامة عندما يسمعوا مصطلح الليبرالية يتبادر إلى ذهنهم بانها ، أي الليبرالية هي دعوة للكفر والإلحاد وإنها نقيض للدين أو هي مخالفة له , هذه النظرة السلبية نحو الليبرالية تشكلت بفضل سياسة التعمية والتشهير ، وهي سياسة قديمة وإن أردنا الدقة فهي بمثابة الخطاب الإعلامي الموجه ودعاية التضليل ، والهدف منها واضح ونعني به :
أولاً : من أجل إبعاد الناس من حول الليبرالية .
وثانياً : المبادرة في سد الطريق أمام قراءات الناس لها بموضوعية وتجرد .
والمُراد جعل الناس تنظر إليها وكأنها نقيض للدين ، ونحن نعلم عمق الوازع الديني لدى الناس في منطقتنا ، والعمق المقصود هاهنا هو ليس الوعي أو الفهم العلمي العقلي للدين إنما هو هذا المتوارث والذي يُمكن تسميته بالدين الآبائي الغير محمود كما في نصوص الكتاب المجيد .
وهنا نُشير بشكل واضح وتلقائي على المُشتغلين في السياسة أو المروجين لهم ، فعندهم في مثالنا هذا يصبح الحرام حلالاً والحلال حراماً .
بل إن بعض الثقافات التنظيمية لبعض الأحزاب تُبيح لأعضائها أو المنتمين إليها الطعن بالمخالف : وإن كلف ذلك بالدعايات التافهه كما هو مُدون عندهم بالضبط !!!!
إذن فهذا الإشتباك منشأه معروف عند هذه الفصيلة من البشر ، تلك الفصيلة التي ترفض الآخر وترفض الحوار وتلتزم بالمقولة الشوفينية التي تقول : أنا أو لا أحد !! وهي مقولة مُمتصة من الفكر الأبليسي وموظفة في الخطاب السياسي ، وتعني عدم الرغبة في الإستماع إلى الآخر وعدم الرغبة في فهم خطابه وسلوكه وبرامجه ومايُريد تحقيقه بالفعل وفي الواقع ، نلمس هذا في الرؤية الإستباقية والأحكام القبلية تجاه الآخر ، وهذا النوع من التصرف جاري في صفوف المشتغلين في السياسة الدينية .
ومثالنا الحاضر دوماً هو - الشيخ القرضاوي - و هجومه الأعوج على الشيعة و على فكرها وعلى عقيدتها ، طارحاً في هذا المجال كلاماً سوقياً بشعاً ، يُدلنا على الذهنية والعقلية لدى المتخندقين في زواياهم ظانين إنها هي كل الدنيا أو هي دنيا الله - نعوذ بالله من ذلك - ..
ونحن هنا نُريد بيان الطريقية التي يتم من خلالها الحجر على الأفكار ، ومحاربة النوايا قبل صدورها ، نُريد إذن فتح ملف الليبرالية ككونها الرديف أو القاعدة التي يستند إليها الدين بمعناه العام في خطابه ومايُريد تحقيقه ، فالليبرالية حسب التعريف الذي نتبناه :[ هي وعي إجتماعي هدفه حماية الإنسان والكون من كل عوامل التعرية والتخريب ، وهي منظومة قيم في العدل والحرية والسلام ] ، وهذه الثلاثية هي أس الفعل الذي أنطلق الدين لتعميمه على الخلائق جميعاً .
إذن فالدين والليبرالية هما توءمان يسيران في خط مستقيم واحد نحو الحرية ونحو العدالة ونحو السلام , يتجهان في هذا السير لتقدم الإنسان ونماءه وتطوره ، أي إن هدفهما هو بناء الإنسان وتنظيم الكون وحماية الكائن الموجود عليه ..
وعلى هذا فإننا بحاجة إلى التصحيح في كثير من مفاهيمنا الخاطئة المتراكمة والموروثة , والتي ورثناها بالتعبد ونمارسها بالتقليد , لأن الذي نحن عليه الآن من سلوكيات وأدبيات جامدة تأمرنا أن لا نفكر , ونأخذ الأشياء معلبة جاهزة ميتة لا روح فيها ولاحياة , من خلال ذلك نمى وكبر في أذهاننا المعنى السلبي للتقليد وصُرنا نصدق من دون تحقيق أو بحث أو مُراجعة .
وهذه السلبية في التعاطي مع الأشياء من حولنا هي التي صيرت الدين في أذهاننا على إنه نقيض لليبرالية أو هو مخالف لها ، وهذا الشيء نفسه هو المُحفز الذي يدعونا لكي نفكر بعقولنا لا بعقول غيرنا ، و ننظر بعيوننا لا بعيون غيرنا إلى كل واقعنا السياسي والإقتصادي والثقافي والفكري والإجتماعي , ونتسائل إلى أية درجة من اللاوعي والتخلف قد وصلنا ، وجدلية الصراع المزعومة هذه بين الليبرالية والدين هي من هناك ومن هذا الوهم الذي نحن فيه ..