الإسلام كما تُعرفه الثقافة الليبرالية : هو منهاج حياة جعله الله للإنسان ، والغاية من هذا الجعل هو صيانة الإنسان وحمايته ووضع القوانيين والقواعد التي تنظم سلوكه وعلاقته بالأشياء من حوله في زمان ومكان ما ، وهو في الكتاب المجيد : ذلك الدين الذي أبتدءً مع نوح مروراً بإبراهيم وكل الأنبياء من بعده موسى وعيسى وإنتهاءً بمحمد ، و هو الصراط المستقيم أو الوصايا العشر .
أي إنه منظومة قيم تؤسس للعدل والحرية والسلام والوحدة ، وهذه صفات تحلى بها أنبياء الله جميعاً ، سواء أكان ذلك من خلال دعوتهم للناس أو عبر بشارتهم التي أنعكست على سلوكهم ومعاملاتهم في مجتمعاتهم التي عاشوا فيها .
وحين نُشير للوحدة كمنظومة في جوهر الدين إنما نتذكر القول التالي : [ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى ، من آمن بالله واليوم الأخر وعمل صالحاً فلاخوف عليهم ولا هم يحزنون ] 69 المائدة - ، وحسب هذا المفهوم يكون جميع الناس من المسلمين ، ودليل الجمع والوحدة نقراءه كذلك في التأكيد التالي : [ إن الدين عند الله الإسلام ] ، أي إن الدين بالفعل وبالقوة هو الإسلام ، [ والفعل والقوة هنا مفهومان فلسفيان ] ، ووفق هذا النص والذي سبقه لا يوجد غير دين الإسلام دين إلهي آخر ، والكتاب المجيد حافل في تقديم الدليل تلو الآخر فيما يُثبت وفيما يُعزز ذلك .
ولم يتفرق الناس في مفهوم الوحدة الدينية إلاّ بعد رحيل الأنبياء عن عالم الدنيا .
ويجب ان نفهم إنه بعد ذلك الرحيل تدرب الإنسان على تفكيك النص من أجل قراءته من جديد ، والتعرف عليه من دون سلطة الوحي أو تفسيراته ، هذا التدريب هو إعمال للعقل سُمي لا حقاً في الأدب الديني بالإجتهاد ، والإجتهاد : هو بذل الجهد من أجل الوصول إلى المعنى المطلوب ، وهذا الجهد هو الشيء الطبيعي الواجب على الإنسان فعله إزاء حالة سكون النص ، ولاتتم تلك الحركة من دون حرية من سلطة وميثيولوجيا النص ، والإجتهاد في دلالته هو رفض لفكرة التقليد في قضايا الدين والحياة ، وخطورتها على الإنسان وعلى حريته وعلى إرادته وعلى موقفه من الأشياء ، وهذا الذي نقوله يجري في البعد العملي من الأفعال ، وكذا في البعد النظري فتحرير العقل هبة إلهية للإنسان تعزز فيه الإيمان وتُعزز فيه الرفض ، وجعل الله ذلك الوهب مبدأً علمياً دائم الصيرورة تحت بند [ لا إكراه في الدين ] ، تاركاً الإنسان حراً في إختيار عقيدته وإختيار عبادته ، هذه الحرية السلوكية هي ملاك العلاقة المفترضة بين الله والإنسان ، لذلك قال : [ وجادلهم بالتي هي أحسن ] ، ومبدأ الجدل : في العمق هو تحرير للإنسان ، من سلطة التقليد الآبائي المقيت الذي يجري في سياق القول التالي : [ هذا ما ألفينا عليه آباءنا وإنا على آثارهم مقتدون ] ، ذلك السلوك الديماغوجي ، الذي يبرر السلبية وعدم الجد في معرفة الصواب من الخطأ .
ففي النص توجيه وتنبيه في الوقت نفسه لسلوك وعمل الكثير منا ، أعني من خلال التقليد الذي هو عادة سيئة ، حذر النص منه ومن الجريان تبعاً له ، فالتقليد : دليله كما هو غير صحيح و مرتكزه كذلك باطل ، والذي يعيش التقليد في سلوكه وعمله هو من عبدة الأصنام بلاشك ، الذين إذا قيل لهم لماذا تعبدونها ؟ قالوا : [ لتقربنا إلى الله زلفى ] ،
وهذا الفهم السلبي للحياة هو خلط بين الرغبةوالوعي في قضايا السلوك والعمل ، لذلك نبهت الثقافة الليبرالية إلى ذلك الخلط وأعتبرته مناقضاً لعملية الإستخلاف الذي جاء بعد عملية الخلق الآدمي ، نقرأ ذلك في المنشور التالي : [ إني جاعلٌ في الإرض خليفة ] ، هذا القول وجد رفضاً له من قبل الملائكة حين قالوا : [ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ] ، جاء ذلك القول بصيغة الإستفهام الإنكاري ، لكن الله حرك النص في لغة حوار متقدم ، بينه وبين ملائكته مُتيحاً لهم كامل الحرية في القبول والرفض ، مع العلم إن الإنكار تعلق بالجانب السلبي الذي قام به ذلك المخلوق قبل ان يصير إنساناً .
ونصل إلى إن الإسلام حسب القراءة الليبرالية : هو دين الله للناس كافة ، ولايجب ان يُحصر بأتباع نبي معين أو بفئة معينة ، والحصر الذي نسمعه أو نشاهده فمرده للفكر السياسي والعقيدة السياسية التي أنتهجها بعض من رجال الدين ، فهؤلاء البعض جعلوا من السياسة ديناً وقسّموا الناس إلى قطع وأجزاء وطوائف وفقاً لذلك ، وصارت كل طائفة تلعن أختها
لإنهم في الواقع لايؤمنون بالكتاب كله ، بل يجعلونه وراء ظهورهم ، وكما ورد [ يؤمنون ببعض ...ويكفرون ببعض [ .
ناظرين إليه من زاوية ضيقة وبعيون من سبقهم ، وأدخلوا فيه طقوساً وشعائراً ليست منه ، وجعلوها من المسلمات ، وأمروا بعبادتها والإخذبها ، والذي يرفضها فهو كافر و فاجر ، وطريقتهم دائماً هي الهروب إلى الخلف من الواقع ، وهم يريدون من ذلك الهروب والتراجع تسييس الإسلام ، والحق يُقال إن من الأخطاء الفادحة هو إخضاع الإسلام ومُثله العليا لعمليات التسييس ، فتسييس الإسلام حسب طبيعة المصالح المتنازعة ، تطويع مُخل يكون فيه ضياع للإسلام وللسياسة على حد سواء .
فالإسلام كما هو إنساني الطبع والخصال ، ولايجوز بل لا يقبل تسييسه لصالح فئة أو حزب أو جماعة ، لأنه إطار إجتماعي إنساني لايحده وطن ولالسان ولاعرق ، وهذا مالم يستطع فقهاء السلطان و العبادة إستيعابه ، والذي يحدث اليوم في الشرق الأوسط شاهد على ذلك التسييس للإسلام ، والذي ضاعت فيه قيمه ومُثله العليا كما ضاعت السياسة ، وغدت النتيجة هي الفشل الذريع ، وسقوط آلالاف من القتلى والتخريب والدمار والفساد بانواعه ، نرى ذلك يحدث في العراق كل يوم حين سُيس الإسلام وحين أسلمة السياسة ...!