في سُلم الحوار العام أنطلق الله في نبذ الطرح التراثي في محاججاته مع الآخر الذي يتمسك في - الحفاظ على عقيدة الماضي - الآخر الذي أهمل الكثير من العلوم الإنسانية ولم يعبأ بها [ والآخر هنا هم كل فقهاء ورجال الدين التراثيين ] ، الذين هاجموا الفلسفة وعلومها والمنطق والعلم ، ورفعوا ذلك الشعار القائل : - من تمنطق فقد تزندق - ، وأستحكم العداء بين الله من جهة ورجال التراث من جهة ثانية هذا مايؤكده الكتاب في أكثر من موقع .
ولابد لنا في هذا المجال من التذكير بالنقص المعرفي لرجال التراث بالفقة وبالقانون المدني ، نقول هذا بعدما صيروا الفقة إسفافاً وتكراراً وخوضاً في قضايا غير منطقية وغير مقبولة ، حين جعلوه يتحدث عن الماضي وعن التاريخ الذي أنتهى أوآنه وأمده ، وقد ذكرنا الكتاب المجيد بذلك من خلال الدعوة للأبتعاد عن المنطق الآبائي ودعانا لتحكيم العقل وإحترام حرية الرأي والفكر ، ونبذ التقليد الأعمى لرجال التراث والمؤوسسات الدينية العتيقة كما هو حاصل اليوم ، معتمدين في ذلك على الحوار الشفاف والجدل با لحسنى ، وهذا هو المبدأ الإلهي المضطرد الذي أوصى به الله جميع إنبيائه ، وجعله الأساس في حياتهم وسلوكهم وإدبياتهم وإعلامهم ، لأن الحوار العقلي الإنساني هو حوار ليبرالي هدفه الحفاظ على الإنسان وحمايته .
وحينما نقول حواراً ليبرالياً فإننا نعني به مانقول ، ذلك لأن الليبرالية عندنا لاتعترف بالقوالب الجاهزة والمرجعيات المقدسة ، فمرجعية الليبرالية هي في هذا الفضاء الواسع من القيم التي تتمحور حول الإنسان وحريته وكرامته ، لأنها تنادي بعدم الإكراه في الدين وهذه القيم نجدها عند الله ونجدها في حركة الصالحين من الناس فقط .
ولابد من الإعتراف بان هذه القيم لانجدها عند الفقهاء وأهل التراث والمتطرفين الذين يكفرون كل من خالفهم الرأي والفكر والمعتقد .
ولهذا حين ترفض الليبرالية الدين إنما ترفض التعصب فيه وترفض الخرافة التي يؤكدها فقهاء التراث ، وينسبونها إلى الله ويجعلونه في محل اتهام دائم .
في حين كان الله واضحاً وهو يُدير الحوار بينه وبين ملائكته المقربين عندما أخبرهم بقوله : [ إني جاعل في الأرض خليفة ] ، قالوا : [ اتجعل فيها من يُفسد فيها َويُسفك الدماء ؟؟ ] ، كان جوابهم عبارة عن إستفهام وعبارة عن إنكار لما يُريد القيام به ، ولم تكن ردة فعل الله عنيفة أو زاجرة لملائكته ولم يقل تأدبوا وأعرفوا مع من تتكلمون ، بل قال لهم : - اني أعلم ما لاتعلمون - ، بهذه الروحية أدار الله الحوار من أجل تثبيت الأصول الواجب إتباعها في حال وجد الصراع والخلاف والتباين ، هكذا كانت هي البداية ، ثم واصل الله سلوك هذا الدور في حواره مع ابليس في جدل إيجابي رصين ، حين رفض ابليس السجود لآدم بحجة إنه أفضل منه في الخلق .
*
لكن هل أستطاع الإنسان المقيم على الأرض من جعل الحوار منهاج له في حياته؟؟ .
نحن من خلال معايشتنا لم نرى لهذه القيمة وجود موضوعي يمكننا الإشارة إليه أو الإشادة به ، نعم هناك دعاوى وكلام إعلامي في أغلبه مؤدلج وتقوده مجموعة من البشر تخفي نوايا سياسية مسبقة ، كما هو حاصل بالنسبة للجماعات الدينية المعاصرة التي تعتمد الخداع في بيانها السياسي والإعلامي ، طبعاً هنا يجب التنويه إلى إن كلامنا هذا ينحصر في دائرة الممالك العربية والإسلامية ، ولانعني به دول العالم الحر التي خرجت بكفاءة من دائرة الدين السياسي والدين الإجتماعي والدين الثقافي .
إن اخلاق الليبراليين هي وصف موضوعي لسلوك الإنسان المصلح في الحياة ، ذلك السلوك الذي سار على هديه أنبياء الله جميعاً .
ولايجب إعتبار الأنبياء هم من خارج دائرة البشر الطبيعين ، إذ لاخصوصية لهم تجعلهم فوق البشر إلاوظيفتهم في التبليغ والعمل الصالح ، فالأنبياء لم يكونوا معصومين عن الخطاء في حياتهم اليومية ولايجب لهم ذلك ، ولم يعلموا الغيب ولايجب لهم ذلك ، مثلما نسمع ونقرء عنهم اليوم في أدبيات التراث وكتبه الصفراء .