كانت رحلتي للعراق الدافع لي اليوم لأكتب عن مفهوم - الشرف - الذي حصرته لغة الناس في قضايا المرأة وما يرتبط بها من مقولات وأعراف ، ولكني وجدت إن لمفهوم - الشرف - معنا أوسع وأكبر وجدت ذلك في لسان الحال ولسان المقال الذي كتبه المشرعون القدامى ، ووجدته كذلك في كتب السماء التي حرصت على جعله مرتبط بالقيم العامة لحياة الفرد وحياة المجتمع ، وجعلت من ذلك المفهوم هو الغالب الذي يجب ملاحقته والتمسك به ، ولم تبتعد لغة العرب في وصفها للفظ حين جعلت من معناه يقترب في صيغته التعريفية مع ما يريد الكتاب المجيد توظيفه في حكايته عن الأشياء التي يجب الإلتزام بها ، لكن الإنسان العربي وكدأبه جعل من اللفظ منحرا ومقيداً بما يتعلق بقضايا المرأة وماحولها من تفاعلات ، فجعل منه مشوشاً مغايرا لما يجب ان يكون عليه .
وبما إن الصيغة التعريفية في لغة العرب تقول : - إنه العلو والرفعة - ، ونحن وبناءا على ذلك تتبعنا صيغة اللفظ العملية فوجدنها صيغة لفظ دال على كل ماهو سيء ، ولهذا فالكذب صفةً تطلق على عديمي الشرف فيكون بالتقابل الصدق هو صفة الشرف الدالة على معناه ، والكاذب في الفعل وفي القول هو المصداق لمعنى عديم الشرف ، حتى وإن علا في قومه وعشيرته أو في كونه حاكماً أو وزيرا أو قائد شرطة أو أية منصب أخر في الدولة ، فصفة أو نعت إنه - كذاب - تسلب منه صفة العلو والرفعة ، وتدفع بالناس لكي يبادروا في رفعها منه وتجريده منها ، وفي العراق الذي رأيته وجدت الكثير والكثير جداً من فاقدي الشرف وذلك لأن هذا الكثير يكذب جداً ، وفي معنى الشرف الإصطلاحي لا نجده يختلف كثيرا عن معناه اللغوي ، إلاَّ في صيغة التبعية لمعنى - التلازم الاخلاقي - وهذا المعنى رصده الزمخشري في جعل التلازم من باب الجوهر ، وكذا لايقال للسارق إنه صاحب علو ورفعة ، فمن يسرق شعبه ويسرق أهله هو كالمحارب لله ورسوله ، وهذا الذي اشير إليه موجود وبكثرة في العراق اليوم وهم في مناصب في الدولة والحكومة ، وصفة السرقة صفة سلب لقيمة الشرف ، ولأنه كذلك أي لكونه سارقاً تجعل فهو عديم الشرف ، ولهذا فكل من يتولى منصبا حكوميا ويستغل منصبه في ذلك يعد فاقدا للشرف ، وقد كشفت لجنة النزاهة مدى وحجم السرقات الحكومية المتنوعة والمتعددة ، ومن تكون صفته سرقة مال الشعب فهو عديم للشرف كائنا من يكون ، وخيانة الأمانة من صفات عديمي الشرف ، وخيانة الأمانة : هي عنوان كلي يدخل في بابه كل من يعهد إليه بمنصب أو وظيفة حكومية أو أهلية ولا يصون أمانته فيعد هذا الفاعل عديم الشرف ، وعدم الإلتزام بالعهد : من صفات عديمي الشرف أو لنقل إن من لم يلتزم بالعهد في صيغتي القول والفعل هو إنسان بلا شرف ، وفي هذا المجال لكم أن تقيسوا كم من الأشخاص الذين تلتقون بهم ولا يلتزمون به ، ولكم أن تحسبوهم أناس بلا شرف ، وإفشاء الأسرار ، وكذا تشويه سمعة الناس ، والتقول عليهم : كلها من صفات فاقدي الشرف ، والتجسسس على الناس ، والإيقاع بهم والعمل على تخريب العلاقات الإجتماعية : هي من صفات فاقدي الشرف ، وتخريب أواصر العلاقات العائلية ، والتطاول على الكبار : كذلك من صفات فاقدي الشرف ، والتفاخر بفعل القبائح المستهجنة وإشاعاتها بين الناس : من صفات فاقدي الشرف ، ثم هذا الكم الهائل من القوانين التي دمرت القيم العامة وخربت مفهوم الأحوال الشخصية ، وكذا ظاهرة تسويق المرأة في صيغة البضاعة المزجاة كلها صفات فاقدي الشرف ، وفي عراقنا يعج كل هذا العته العقلي ليكون تحت رآية التوافقات الطائفية والمسكونية تحت بند المصالحة ، وهي إختراقات تعزز العجز وتنمي ظاهرة التدني الفكري وشياع ونمو أهل العقول المريضة ، على حساب التنمية والبناء والتطور ، ولم يكن ممكناً وأنا منكمش قليلاً عن الكتابة ، إلاَّ بالتذكير بزحف الفساد في العقل وفي الفكر ليتبعه الفساد في اليد والعمل في الإدارة والسياسة والإقتصاد والمجتمع ، وهذا الفساد الكبير أصله واحد يتموضع بتعريفنا من يكون الشريف من بيننا ومن لا يكون