يحاول أنصار الفاشية والعنصرية دوماً التفريق بين منهج الليبرالية في وحدته وفي سلوكه ، في محاولة منهم للوقوف بوجه تنامي حركات التحرر التي تطلقها وتتبناها الليبرالية في الحياة وفي الكون ، تبني محتوى وتبني فكر وتبني نظام عيش في الواقع التاريخي وفي الواقع الموضوعي المادي .
وهذا يعني كون التفريق يؤخذ في سياقه الموضوعي والسلوكي تجاه الليبرالية وموقفها من قضايا الإنسان المصيرية وهو تفريق ليس على ما ينبغي ، خاصة إذا ما نظرنا إليه وفق وحسب حقبة ماقبل ومابعد الحرب العالمية الأولى والثانية التي كانت فيها قضية التحرر الوطني تعتبر من الملحات الغير قابلة للتأخير ، وكانت الليبرالية هي المنهج الوحيد الداعي إلى حرية الشعوب وحرية الأوطان والأمم ، لذلك تبناها جيل من انصار القومية وهم ينضلون من اجل الخلاص من الحكم العثماني وما تلاه من المستعمرين ، فيما أعتبرت منادات الليبرالية بتحرير المرأة واحدة من العلامات الفارقة التي تشد وتجذب ، كما إن مناهضة العنصرية التي تتبناه الليبرالية وموقفها الرافض للإقطاع السياسي ومحاربة الطبقية من الأمور التي جعلت من دعاة التحرر العربي يلتزمون بالليبرالية ويعدونها المنفذ للحصول على المطالب التي يكافحون من أجلها .
أي إن نظرة الليبرالية تجاه قضايا المجتمع ، وتحرير وسائل الإنتاج ، وحرية العمل ، والموقف من الملكية الزراعية والصناعية والتجارية ، كانت حوافز لإيمان العربي بالليبرالية وإعتبارها المنقذ وسط جملة الإشكاليات التي كانت تعصف بالمجتمع العربي والمسلم لهذا تبناها وتبنتها حركات وأحزاب ورجال دين ومنظمات حقوقية وإجتماعية .
ويجب التأكيد هاهنا على إن الليبرالية في جوهرها لا تتجزء وفق حسابات الزمن التاريخي أو الزمن الموضوعي ، والإشكالية في التعاطي معها يجب ان تنطلق من الموقف الكلي أو النظرة الكلية لفلسفة ومفهوم الليبرالية للمجتمع في الأبعاد الثلاثة .
وهنا وتبعاً لذلك لا يصح التفريق من وجهة نظر معرفية وفلسفية خالصة ، ولاحتى من وجهة نظر سياسية ، فالتبدل في الموقف إزاء الليبرالية من بعض الساسة والحكام والأحزاب الشوفينية والراديكالية ، مرده أو منشأه هو الموقف من قضايا السلطة تحديداً - فالسلطة السياسية والإجتماعية هي ليست فيوضات إلهية ولا نعم مباركة بل هي صيرورة إجتماعية ومشاركة شعبية وفق نظام الإختيار والإنتخاب - ، وهذا المنهج لا يروق للدكتاتوريين ولا حتى لدعاة التحرر الوطني بعد تسلمهم للسلطة ، أو لنقل بعدما سمحت لهم قوى العمل الليبرالي بذلك ، هؤلاء الأدعياء تحولوا إلى فاشستيين جدد ودكتاتوريين جدد وقتله .
مصادرين كل موقومات المجتمع الطبيعي الصحيح فلم تعد في عهدهم حريات ، وزادت سعة المعتقلات والسجون والملاحقات الظنية والكيدية ، وتنامى الشعور بالتطرف ، وزيد من وقع الحركات الأرهابية ، مع دعوة الحكام لمناهضة التطور المعرفي والطبيعي بداعي محاربة الأستعمار !!! وكان ذلك التوجه حرب مباشرة على الليبرالية ودعاتها ومنهجها في الحياة .
ودائماً ياتي الكلام من خلال المواقف السيئة أو الأحكام القريبة ، مع إن هذه المواقف والأحكام جاءت كنتيجة لفعل التدافع السيء على السلطة أو في النظرة تجاه تقسيم الموارد المالية والإقتصادية ، وهذا ما لا دخل لليبرالية فيه من قريب أو بعيد ولكنه التدافع الطبقي التاريخي .
ونحن من أجل ذلك لا نجد حرجاً في القول أو الأدعاء بان الحتمية التاريخية والموقف الطبيعي من قضية الحرية ، وتحرير الإقتصاد ، والتراكم في عملية التنمية ، والإنفتاح الإقتصادي والأممي ، كلها عوامل ومحفزات تجعل من غير الممكن البقاء أو الإبقاء على تلك النظم الشمولية الدكتاتورية على حالها من دون موقف أممي محدد تجاهها !!!!.
فكانت حرب تحرير افغانستان حتمية وضرورة تاريخية ، وكانت حرب العراق هي الأخرى حتمية وضرورة تاريخية ووجودية ، لشعب عاش الظلم والتخلف والجهل ، وكان لابد من ذلك ان تتحرك قوى المجتمع الدولي لتحريره وهذا واجب عليها بالفعل وبالواقع وهو ما تم بالفعل ، وهنا يجب التنويه إلى عدم الربط بين نتائج حرب التحرير وقواعد التحرير .
فالنتائج صنعها أو صنعتها قوى متخلفة ونظم شمولية أخرى - أحزاب منظمات دول ورجال دين - كلها أحست بالخطر الواقع حسب مفهوم ومنطق التغيير الطبيعي لذلك بادرت بمكافحته أولاً ظهر ذلك في العراق من خلال العبث وفوضى الدم ونقصان المعرفة وغياب المشاريع البنيوية فكان لها ماأرادت من خلال من تمزيق وطني وقتال طائفي وتقسيم فئوي عصبوي مقيت .
ولو أمعنا النظر في جملة الإشكاليات التاريخية والواقعية لوجدنا إن واقع التحرير فرض نفسه من خلال ماكان بالفعل ، ثم إنه ليس في الإمكان زوال نظام متعجرف فاشل بغير هذه الطريقة التي تم بها زواله ، وهنا يجب التذكير مرة أخرى بنوايا عمل الليبرالية لتحرير هذا الشعب في هذه البقعة من الكون ، وكما إني دوماً أربط بين الليبرالية كسلوك وكمنهج للتطبيق وبين رسالات الله ، ففيها المشترك واحد في دعوتهما لتحرير المظلوم وحمايته والدفاع عنه ، وهنا تبدو الجدلية تامة بلحاظ الصيرورة الطبيعية للمجتمع إذ لا فرق بين الليبرالية الكلاسيكية والليبرالية الجديدة أو المحدثة كما أفهمها أنا