تحدث البيان الليبرالي وميثاقه العام عن المرأة وعن وضعها وحقوقها وعن مكانتها وأعترف بشكل واضح لا لبس فيه ، إن المرأة قد اصابها الكثير من الظلم والتبكيت والخديعة والفوضى .
وكنا في غير مناسبة نتحدث عن دور كهنة الدين في هضم حقوق المرأة ، حين يتحدثون عن حمايتها في العهد الإسلامي في عصوره المتنوعة ، ويضربون لنا مثلاً في ذلك بقضية ؤد البنات ، التي ما أنفكوا يجعلونها القضية الحاسمة في تحرير المرأة وتقدمها ، مع إن الأمر لا يعدو كونه البداية في عملية التصحيح .
وحين تتم المواجهة في تبيان ذلك يركنون إلى حالة الواقع أيام نزول الوحي ، وإن كان ذلك وجيهاً في حينه ، ولكنه يبقى تفسيراً تاريخياً يغفل الكثير والهام في حياة المرأة ووجودها …
لهذا يكون من اللازم علينا التعريف أو الإشارة إلى بعض النصوص التي فُسرت تفسيراً تراثياً ، تفسيراً ينسجم مع حياة الذكر وإرادته ، كالقول : بأن شهادة الرجل الواحد تساوي شهادة إمرأتين ! ، وهذا القول قد فٌسره التراثيون على إن : - المرأة ناقصة عقل !! ،
ودين - وهذا التفسير كما هو واضح طرد متعمد للتعليل الذي جاء في سياق النص بقوله : - إن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى - وللعلم إن النسيان خاصية ذكورية وإنثوية ، أعني كونها عامة وهي بهذا اللحاظ تنسجم وطبيعة الإنسان الذكر والإنسان الأنثى على حد سواء .
وهنا لابد لنا : أن نعترف بأن النص في الكتاب المجيد ، ناله الكثير من عوامل التعرية والتحريف ، وهذا الأمر يجب النظر إليه بدقة ومن دون مزايدة أو تهويل أو صراخ ، أعني من دون الإعتماد على التعليل التاريخي الذي يعتمده رجال المؤوسسة الدينية الرسمية ، كما إنه يجب قراءة المعنى في قوله : - إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون - قراءة علمية واعية هدفها تقديم خدمة للنص أولاً وللإنسان ثانياً ، وهي وحدها أعني القراءة العلمية الواعية ان تجعل من النص بعيداً عن سلطة القيل والقال التي يذهب إليها ضعاف النفوس .
وما نقوله في هذا المجال شاطرنا الرأي فيه صاحب الميزان وصاحب البيان وصاحب الحكومة الإسلامية من المتاخرين ، وأخرين من المتقدمين مالوا إلى ذلك ، سواء من خلال البحث أو التصريح أومن خلال الإشارات المبثوثة في كتبهم ، والتحريف في الكتاب المجيد : نشأ بفعل هيمنة قوى السلطة والمتعاونيين معها في كتابة النص وتفسيره ، وهذه القوى كانت محكومة بسلطة الأمر الواقع ، التي كانت فيها المرأة تبعاً للذكر ، بل هي مادة للفراش ولتحقيق حاجات الرجل البيتيه .
نعم لقد تصدى في الأونة الأخيرة للرد وتصحيح معاني تلك النصوص رجال نشهد لهم بالكفاءة ، أعتبروا شهادة المرأة العالمة تساوي أربعة شهادات لذكور جهلة …
وكما نال المرأة ظلم كبير في هذه المسألة فقد نالها كذلك ظلم مثله في تفيسر - سورة النساء - وتفسير معانيها التي تعرضت لقضية الوصية والميراث ، فعند فقهاء التراث يكون معنى : - للذكر مثل حظ الأنثيين - بأن للذكر الواحد ثلثي التركة !! وللأنثى الثلث !! .. وهذا إجحاف واضح كما إنه خلاف لدلالة النص ، إذ القاعدة فيه والمرتكز : هو الأنثى ، بدليل المقابلة في النص بين - ذكر واحد وأنثيين - فالنص يقول : إن للذكر نصيب مساوي لكل واحدة من الأنثيين ، أي إن له الثلث من أصل التركة ، والدليل هو إن الله قد جعل للأنثى ، إن كانت واحدة فلها النصف ، وإن كانت أثنتين ومازاد فلهما الثلثين من أصل التركة ، والباقي للذكور سواء أكانوا واحداً أم أكثر ..
وفي هذا يكون النص قد أستقام بيانه ودلالته ، والأمر فيه كما نرى دال على الوجوب ، لذلك نرآه أي نرى النص يجعل من العلاقة الزوجية بين ذكر وأنثى ، قائمة على أساس الميثاق وليس على أساس العقد !! فالعلاقة الزوجية بين الذكر والأنثى ، هي علاقة روحية وقانونية وليست علاقة تجارية أو معاملاتية ، كما يزعم فقهاء النكسة .
وهذاالرأي يلزمه اولاً تصحيح قراءة النص ، بعيداً عن سلطة الماضي وكهنة التراث ، تلك السلطة التي ولدت عندنا المفهوم المغلوط لمعنى - القوامة - أي قوامة الرجال على النساء كما في قوله : [ الرجال قوامون على النساء بما فضل بعضهم على بعض ] ، فالنص في قراءتنا الأولية له ، إنما يربط – القوامة - بالرزق ، والرزق مرتبط كما هو معلوم بقضايا العمل ، والعمل لم يكن مسموحاً به لنساء الجزيرة ، إلا عبر وسيط ذكوري كما حصل بين خديجة والرسول محمد ، لكن رجال التراث يعللون القوامة بفضل الرجال على النساء سواء من حيث القدرة البدنية والقدرة العقلية وكمال الدين والإيمان ، ويمنعون المرأة من العمل بحجة المخافة من الإحتكاك بالرجال لأنها فتنة أو عورة ، وهذا التعليل هو في حد ذاته نتاج عقل الذكر وإرادته ، وفيما يرغب به .
وحين نواجه الأمر من أجل تصحيحه يبادرنا رجال المؤوسسة الدينية ، بأن الخبر النبوي قد حسم الأمر بهذا الشأن ، فقال : النساء ناقصات عقل ودين !! وقال : شاوروهن وخالفوهن !! وقال : ما أفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة !! حتى قيل إن مبطلات الصلاة ثلاث هن : الكلب والحمار والمرأة ..
ولكي نصحح بعض مافات يلزمنا عمل كثير منه ، أن لايكون النظر للمرأة من خلال تفسير وتعليل ما كان سائداً في التأريخ ، ومنه كذلك ان يكون النظر إلى واقع المرأة من خلال لغة النص وخطابه ومراده من دون تحريف أو تزوير ، وهذا يلزمه مايلي : تحرير لغة النص وخطابه من سلطة الماضي وهيمنته ، والتعامل مع النص بإعتباره كائناً حضارياً لكونه يجسد عقل الله وإرادته ، تلك الإرادة التي كرمت الإنسان وحررت عقله ، حين جعلت منه خليفة لله ، ولم تفرق في ذلك الجعل بين ما للرجل وبين ما للمرأة ، بل جعل الله مسار ذلك مرتبط - بالعمل الصالح - الذي يحققه كلاً منهما .
واليوم و نحن نعيش عصر التقدم والتطور العلمي والإنفتاح الأممي والحضاري ، نرى البعض يصر على وجوب ان يكون للمرأة مايسمى – بالمحرم - في حال سفرها وترحالها !! مع إن هذا الشئ قد حذفته حتى إيران من قانونها !! حين أباحت لنسائها السفر من دون ذلك سواء للدرس أو للعمل أو لغيره !! عزز ذلك التوجه الطبيعي عندهم فتوى شجاعة أصدرها الشيخ العلامة يوسف صانعي المدعي العام للثورة الإيرانية الأسبق ..
صحيح إننا نفتقد للمرجعية الرشيدة ، وصحيح كذلك إن الموجود منهم عندنا ليس سواء بقايا بشر ، لكن الصحيح - إن الحكمة ضالة المؤمن - يجب أخذها والعناية بها ، خاصة فيما مجال تعزيز كرامة الإنسان ، من خلال تعزيز كرامة المرأة ، التي هي الحاضنة لهذا الوجود بما فيه من خير وعلم ونظام ، وهذا يوجب إعتماد فتوى الشيخ صانعي في هذا المجال تخفيفاً للكثير من الشروخات ، التي ظلمت المرأة ، إذ لايجب الإصرار على الخطأ والتشبث به ، طالما كان ممكناً تغييره ، ذلك التغير سيساهم في تغيير صورة المسلم في نظر الناس والعالم أجمع .
أنا أدري أن هناك جيل يعمل لترسيخ وتجديد وتفكيك كل ما أحاط بالمرأة من أسوار وجدر ، وأنا مسرور بذلك لأنه يشبه فيما يشبه عمل المصلحين والأنبياء من دعاة العدل والحرية والسلام ، وأنا أعلم إن لكل مجتهد نصيب ، فلنجتهد من أجل ان نُعيد للمرأة حقوقها وكرامتها وهويتها ..