في الحلقات الماضية من دراستنا هذه ، كنا قد أشرنا إلى التلازم الموضوعي بين قيم الليبرالية الديمقراطية وبين حاجات أمتنا للنمو والتقدم .
وقلنا : في حينه إن سيرورة التلازم ترتبط في الكيفية وفي الطريقية التي تتم فيها إعادة إستكشاف الذات والإرادة معاً ، وهذا يتم من خلال رفض حالة السكون وحالة الفوضى ، التي يُروج لها في حياة الشعب والأمة ثلة من الرجعيين والمتخلفين ، فالتخلف في المعنى البسيط : هو سلوك أو عادة يمارسه أو يمارسها الفرد أو الأفراد ، إما عن جهل أو عن قصد ، وهو في الحالتين مخاتلة وتدليس في التعاطي مع قضايا الحياة و التراث و الدين .
ومن هؤلاء من تصدى للكلام عن الليبرالية الديمقراطية ، و منهم كذلك من تصدى لممارستها وهو جاهل بها ، لذلك فقد أساءوا لمعناها ولقيمها الكبيرة ، وخلقوا النفور منها ومن إرادتها ، لكن ضرر هؤلاء في الجملة محدود ، وهناك من تصدى للكلام عن الليبرالية الديمقراطية بدافع الربح والمصلحة والإستغلال ، وهؤلاء يمكننا ان ننعتهم من دون تردد بالدجالين المحترفين المريبين ، وفي مجتمعنا من يتحرك من هؤلاء تحت مسميات متنوعة ، و يمكن رصد هؤلاء من خلال تناقض كلامهم وسلوكهم ، وهناك صنف ثالث : يمكن وصفه بذوي النوايا الحسنة ، قليلي الحيلة الذين لم يرتفع سقف تفكيرهم إلى مستوى نواياهم ، وهم من يُسيء من حيث يقصد الإحسان ، ولهؤلاء يجب ان نركز الإهتمام والكلام ..
فالغايات النبيلة واحدة عند المخلصين مع إختلاف الرؤى والنظرة ، فالليبراليون مثلاً هم في ذلك على السواء مع اليساريين والقوميين والإسلاميين ، لأنهم أي الجميع ينشدون قيمة واحدة ويطلبون قيمة واحدة ، هذه القيمة يمكن حصرها في الخير العام والتقدم والرفاهية والسلام للشعب ، والغاية النبيلة تظهر في حرص الجميع على القيم الأخلاقية الفاضلة وعلى المحبة ، مع التسليم بالإختلاف في الأدوات والوسائل التي تحقق ذلك .
هذا هو فكر الليبرالية الديمقراطية الذي يخالف بل يناقض كل ما يرمي إلى التحلل عن قيم الشعب ومرتكزاته التاريخية والإنسانية ، نقول هذا : لأننا نؤمن بان - الليبرالية الديمقراطية - بمعناها الواقعي الصحيح ، هي حركة فعل الأمة العراقية قبل ان تخبو بفعل الدكتاتورية والإنحباس الفكري والرواسب الثقافية البالية .
نقول هذا : لأن ما نسعى له هو التحرر الفعلي للأمة ، من كل مايُثقل حركتها ويُعيق تقدمها ، فنحن نؤمن بمدى وخطورة الأضرار التي لحقت بها ، جراء فعل طبيعة الأستبداد الذي كان يحكم ، وكذا في طبيعة العنف والتثوير الطائفي والمناطقي الذي تلى ذلك ، كل هذا حجز بين وعي الأمة وإرادتها ، مما جعلها تتحرك في بعض الأحيان وفق منطق الرغبة الوقتية والنوازع العاطفية ضيقة الأفق التي سببت لها الإنتكاسات في المشهد الظاهر من بعض الحقيقة .
ولكي تسترد الأمة قدرتها على الحياة ، يلزمها بذل جهد غير عادي و كبير تستطيع من خلاله خلق روحها الجديدة ، وهذا ما ننوه إليه بل نسعى إليه في - الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي - سواء عبر ثقافته التنظيمة أو من خلال ما يُعممه كمنشور دوري للجميع ، قاصداً في ذلك تنمية روح الحياة لدى الأمة ، والعمل على صيانة القيم الوطنية والشعبية والثقافية ، والإستجابة الممكنة لحاجات الأمة ببذل الجهد المسؤول ، وتفعيل روح الشعور بالإنتماء الحقيقي للوطن ومنظومته القطرية كما هي محددة بالفعل ، وتحرير الشخصية العراقية من كل عقد التاريخ والجغرافيا .
في تلك الحالة ومعها فقط يمكننا إسترداد حبلنا السري بين ماضينا المزدهر وحاضرنا الطامح ، وتجديد صلتنا بماهو كبير ورائع خدمة لقيم العدل والحرية والسلام ، قيم العلم والتقدم والتحرر والنور للجميع ..
مركز الدراسات والبحوث في
الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي
27 – 03 – 2009