تُعد الليبرالية مشروعاً قيمياً في تحديد طبيعة التطور المجتمعي العام ، ذلك لأن الليبرالية لديها من القوى الذاتية التي تجعلها أكثر قدرة في الإستجابة والتعاطي بروح موضوعية لمشكلات المجتمع وحاجاته الضرورية ، بفعل ميكانيزمها الداخلي القادر على تطويع الصعاب وحل المختلف والمتناقض في المجتمع ،
ولهذا نحن حين نبشر بالعصر الليبرالي فإنما نبشر به بعد معرفتنا وثقتنا به ككونه مشروعاً نهضوياً وتنموياً يستهدف خلق المناخات الطبيعية للتطور والبناء والإعمار ، و هي كذلك خيار أممي يتخطى الموانع التي تصنعها الفاشية والعنصرية وكذا يصنعها - الدين السياسي بإعتباره دكتاتورية مقنعة - لأنه يؤصل للميثيولوجيا في الذهن والعقل ويكرس ذلك في الحياة العامة ، ومن هنا فالخيارات المطروحة في العراق اليوم إن أستطاعت ان تجد لها موطئ قدم في ظل الفوضى ، فانها ستقضي على العراق البلد وعلى العراق الشعب وفي ظل هذه الفوضى سيتآكل حتماً وستزول معالمه من الخارطة ، ونحن هنا في معرض الكلام عن الإنقباض في الخلاقية والإبداع في المجالين السياسي والثقافي خاصة مع شيوع التوجهات القبلية في الخطاب والتربية مع فيض إحترامنا للقبيلة كتكوين إجتماعي لكن هذا التكوين غير مؤهل في عالم متجدد ومتطور ان يساعد في بناء مشروع حضاري ، كما إنه ليس بمقدوره التجاوب مع ثقافة الديمقراطية وفلسفتها الإجتماعية .
إذ من غير الجائز في المشروع السياسي الإجتماعي المدني الديمقراطي الخلط والتعميه بين فكر الماضي وبين فكر الحاضر والمستقبل ، كما لايجب في هذا المضمار إستغلال الزمن وإستغلال معانات ومشكلات الشعب المتعددة ، وجعل ذلك الواقع مسوغاً في اللاوعي لبث الدعاية المضللة والخداّعة والتي يُراد منها ، إبقاء ماكان على ماكان من خلال الضرب على وتر الطائفية والفئوية والمناطقية وهي في الأحوال جميعاً تساهم في زيادة التراجع المجتمعي في كل مديات العمل الوطني ، ونحن هنا لسنا بصدد إعادة التذكير بالمعانات الوطنية للشعب لكننا نريد توجيه الأنظار إلى ما يجب فعله في الآتي من الأيام ، إذ من غير اللأئق ان نبقي الشعب في دوامة الصراع الطائفي والقبلي والديني وهو صراع تطول مدته ويدوم مقامه في شعوب ومجتمعات لها مواصفات كشعوبنا ومجتمعاتنا ، والحكمة تقتضي خرق هذا الأصطفاف الذي خلقته سنوات الإحتلال وغذته دول الجوار وكلاً له مآربه ونوآياه وضاع في خضم ذلك الشعب وطموحاته وآماله في الأستقرار والبناء ، حتى ما عاد باستطاعته تجاوز السنوات العجاف التي ألمت به من حروب السنيين ، ومما يزيد الطين بله كُثرت الخطابات الهدامه وزيادة الفساد في دوائر الدولة والرشا والمحسوبية وتقديم عناصر في مقدمة الصفوف لايمتلكون الحد الأدنى في نيل كل منصب ومسؤولية ،[ ولكنهم كذلك لأنهم أتباع هذا الحزب أو تلك المؤوسسة ] .
يتجلى ذلك في الخروقات اليومية والمتعمدة للدستور والتأخير في إيجاد الحلول للقضايا التي كان يجب تجاوزها منذ زمن طويل ، أضف إلى هذا وذاك نقصان الشعور بالمسؤولية الوطنية لدى الكثير إلاّ من خلال ما يحققه لهم المنصب والوظيفة الجديدة ، من هنا نجد ان الخيار الليبرالي هو الخيار الطبيعي الذي يُمكنه إيجاد الأرضية المناسبة للإنتقال بالشعب خطوات إلى الأمام فهو الخيار الواقعي الذي يُمكنه تأسيس القواعد الصلبة للديمقراطية في معناها الحقيقي وليس في معناه السائد في العراق اليوم ، والليبرالية هي النظام الذي يحقق للشعب معنى الحرية وهي المؤهلة لجعل الإنسان يشعر بأنسانيته ، والليبرالية طريق لتحقيق العدالة الإجتماعية فلا فقر فيها ولا عوز ولانقص في الخدمات ولامحسوبية ولا تجاوز على القانون وليس فيها إنتشار للطفيليات التي تخنق الروح العراقية ، الليبرالية هي خيار للسلام وللوحدة الوطنية من غير تعدي ومن دون دعاوى كبيرة أو ماورائية مغرقة في فوضى التاريخ ، فالسلام هو خيار الشعوب المحبة وهو خيار الأمم التي تريد التقدم والأزدهار والرفاه ، وليس في الإمكان تحقيق كل ذلك من دون الليبرالية كما هي من غير تشويش لأنها الحاضنة للجميع على إختلافهم في الفكر والثقافة والخطاب ، لهذا كنا مستعدين للتبشير بها لنفض هذا الغبار وذاك التراكم والعقد والنتوآت التي جاءت من التاريخ و المحتل ومن معه من قليلي الحيلة ..