الكلام عن - العدل - والبحث فيه بحد ذاته مُخاطرة وأيةُ مخاطرة لذلك يستوجب البحث فيه وعنه المزيد من الحذر والدقة والتأني ، لأن البحث هو رحلة في الكشف عن خبايا المادة وعن مفهومها ومعناها ، في ظل التناقض والتساؤل والتفاوت الغالب في الحياة وفي الطبيعة والمجتمع ، كما إن الكتاب المجيد لم يُقدم لنا أسماً لهذه المادة ولا مصدراً لها ، إنما ترك المجال لنا للإشتقاق والتوظيف من الصفة والفعل ودعانا للتعامل معاهما ، ولهذا تبدو مهمتنا ليست سهلة فيما لو أتخذنا أحكاماً أو أستنتجنا قواعداً نبني عليها ، وبما إن الجدل المعرفي يدور حول المضمون الفلسفي و الكلامي ، وما يشتق منهما من معاني وتراتبية وأحكاماً .
إن الإفتراض القائل إن العدل منهج في البحث الكلامي ، إفتراض صحيح هذا إذا نظرنا للأمر من وجهة ماهو بالفعل من سيادة الكلامية وسطوتها في الأصول والفروع الدينية المُتبعة ، وفي الكلامية أيضاً نتج القول التالي : ( إن الصفات عين الذات ) ، وجر هذا القول ليكون أساسياً في بعض المدارس ، وليُقال : - إن الصفات هي الأسماء حين تُنسب إلى الذات الإلهية - ، جاعلين من هذا القول أصلاً كلامياً يساوي في درجة المعنى والقيمة له بين التوحيد والمعاد ، وتداركاً من الخشية المعرفية تبنوا مقولة - اللطف - كمبدأ وكهبة من الله ، والحق إن هذا التدارك ليس دقيقاً ولكنه صار غالباً بفعل ( الكلامية السياسية ) وليس الكلامية العقلية أو المنطقية ، ومن هنا كان لا بد من التوضيح والبيان فثمة ما يحتاج للتصحيح والموافقة بين عالمي التكوين والتشريع ، والمزج بينهما والتأسيس على ذلك واحدة من المخاطر التي سننوه عليها في تلابيب البحث ..
ولكن ما معنى العدل ؟
تتمة موضوع " رأينا في العدل الجزء الأول "