والسيناريو يبدأ بتقطيع أوصال مصر الى دويلات منفصلة جغرافيا وتجزئة لبنان الى خمس دويلات على أسس عرقية وطائفية واستغلال البناء العرقي لسوريا لتفكيكها وجعل الأردن محلا لاضطرابات الفلسطينيين أما العراق فجاء على رأس القائمة مع توصية بالعمل على انهياره
هل هناك من يريد العودة بالعام مرة جديدة إلى الصراعات الكونية؟ ألا يكفي الكرة الأرضية حربان عالميتان فقدت البشرية في الأخيرة منها فقط أكثر من خمسين مليون إنسان؟ الواقع يشير إلى أن هناك من يدفع في هذا الاتجاه ولحل لغز الحرب العالمية الكونية القادمة ينبغي لنا أن نقرا بعناية بالغة سطور اليمين الديني المتطرف الذي ترتفع وتيرته هذه الأيام ومن بينها هذه الأصوات والتي يقول احدها: نعم يا سيدي أنا مؤمن بكل كلمة حرفيا من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا وهو ما يعني أن حربا نووية ستنشب حول أورشليم ويومها ستدهش إسرائيل العالم وتصبح روسيا قوة من الدرجة الرابعة.
هكذا تكلم جيري فالويل اليميني الأمريكي المتصهين والذي قضى مؤخرا مؤكدا على حتمية حدوث المواجهة الكونية التي استطاعت اليهودية ولاحقا عبر الصهيونية تجذيرها في نفوس وعقول صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا المفهوم المشوش والمضطرب دعا صحيفة الصنداي تايمز البريطانية لأن تتساءل هل ما يجري في الشرق الأوسط من قلاقل ونيران مشتعلة هو مقدمة الحرب الكونية الهرمجدونية كما كانت أوربا الشرقية منشأ الحربين العالميتين الأولى والثانية؟
إذا ما نظرنا إلى عدة عناصر مدمرة مجتمعة مثل التشرذم العرقي والتدني الاقتصادي وإمبراطورية آخذة في الأفول (أمريكا) فضلا عن الضخ المالي الصادر عن عائدات النفط والغاز وخطورة امتلاك القوة الأكثر ثورية في المنطقة (إيران) السلاح النووي فإننا سندرك أن دوامة العنف المتصاعد من الصعب تجنبها مما ينذر بقرب (معركة هرمجدون) تقول الصنداي.
ماذا عن تلك المعركة؟ ومن يقف وراءها؟
باختصار غير مخل هي مفهوم لصراع حربي عالمي منطلقه ديني ويمثل أخر المواجهات بين أمم العالم من جهة واليهود في إسرائيل من جهة ثانية ويرجع ذكرها إلى بعض المواقع في التوراة وتخص تجمع اليهود في فلسطين وتعرضهم لهجوم ساحق من ملوك الشرق غير أن يهوه سيحارب عنهم وستحقق إسرائيل نصرا مبينا. ويصف القس هال لندسي المتصهين بدوره شكل المعركة فيقول تأملوا عدة ملايين يحيطون بالمدينة المقدسة أورشليم في وادي «هرمجدون» غير أن النار والبرد اللذين سينزلان من السماء سيتكفلان بالقضاء عليهم.
هذا المفهوم المحرف والمجتزأ لفهم التوراة قد أصبح قناعة مطلقة اليوم عند ساكن البيت الأبيض وأصحاب المجمع الصناعي العسكري الأمريكي مما حدا الكاتبة الأمريكية (جريس هالسل) لان تصف في كتابها النبوءة والسياسة تغلغل الروح الصهيونية في البيت الأبيض وكافة الإدارات الأمريكية بالقول إن الأصوليين المسيحيين الأمريكيين على أتم الاستعداد بل راغبون بكل قواهم في إشعال نيران حرب نووية بشان إسرائيل تحقيقا للتنبؤات المقدسة. لكن كيف يمكن الإعداد لهذه الحرب؟
الإجابة تتطلب من القارئ النظر إلى الصراعات الدموية القائمة في المنطقة اليوم وفي مقدمتها المواجهة الإيرانية الأمريكية المحتملة والتي يمكن أن تتطور إلى صراع مسلح تستخدم فيه الأسلحة النووية ولن تصبح إسرائيل بعيدة عن المشهد بل في عمقه وإيران في المفهوم التوراتي هي بلاد فارس، بلاد المشرق وملوكها هم ملوك المشرق الذين سيحاصرون إسرائيل مع ما يحمل ذلك من إشارات دموية مهلكة.
كما أن النيران المشتعلة لا تقتصر على إيران فحسب فها هو العراق يغوص في الدماء الأمر الذي يبهج قلب أصحاب هرمجدون إذ يرون بابل التي أذلت شعب إسرائيل لخمسمائة عام تنكسر روحها في داخلها وتمتد ألسنة النيران إلى لبنان وسوريا وفلسطين ومصر لا تنجو والسودان كذلك والصومال يشتعل كل هذا في عقد جهنمي يسعى لتحقيق الوعد من الفرات إلى النيل.
هل حان الوقت إذن لكي تجتمع ممالك الشرق هذه جميعها وتعبر الفرات لتهاجم إسرائيل؟
هكذا روجت الآلة الصهيونية في الغرب وما «نظرية صراع الحضارات» التي قال بها المفكر الأمريكي صموئيل هنتنجتون إلا التفريغ الأيديولوجي لهرمجدون إذ أن ملوك المشرق سيتحالفون مع الروس والصينيين وهذا هو لب النظرية وصراع كونفشيوسي متحالف مع الإسلام والإسلاميين في مواجهة للعالم الغربي المسيحي اليهودي بمؤمنيه.
والتساؤل المثير هل استطاعت الصهيونية العالمية تسخير أمريكا مرة جديدة للتهيئة لتلك المعركة وخوضها لاحقا؟ يجيب المؤلف الروسي الشهير شيريب سبيريدوفيتش في كتابه حكومة العالم الخفية بالقول إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تدخل الحرب العالمية الأولى عام 1917 إلا لأن اليهود رغبوا في ذلك خدمة لانجلترا التي كادت أن تخسر الحرب لكن في مقابل الوعد الشهير بإقامة وطن لليهود في فلسطين رغم أن هذا الوطن هو ضد كلام السيد المسيح الواضح «اترك لكم بيتكم خرابا» لكن بفضل اليهود وعملائهم في الصحافة والإعلام والعسكرية الأمريكية ارتفعت الصيحات ضد ألمانيا وخاضت أمريكا الحرب وبدأ مثالها ونموذجها يهتز في العالم.
هل من تشابه بين ذلك الموقف وما نشهده اليوم على الساحة؟ يمكن القول بكل تأكيد أن الأوضاع سائرة لدفع أمريكا إلى نفس المصير سيما إذا تم إحلال غول الأصولية الإسلامية والإسلام الدموي الذي روجت له الصهيونية محل النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية لنصل سويا إلى الحرب العالمية الكونية التي لا مفر منها بل والساعون إليها قدما.
هذا السعي ليس وليد اليوم بل يمتد قرونا للوراء إلى زمن نابليون بونابرت الذي لم يك إلا صنيعة الأيادي الخفية اليهودية في أوروبا بقيادة «امشيل روتشيلد» ولم يجد طريقا للعرش الفرنسي إلا عن طريق الدعم السري اليهودي ولهذا عمل على تحطيم الكنيسة الكاثوليكية التي وقفت ولا تزال في وجه مارتن لوثر صنيعة اليهود ومخترق العقلية المسيحية التقليدية ولهذا خطف البابا بيوس السادس عام 1797 وحاول جاهدا تحطيم البابوية ودعا لجعل فلسطين موطنا لليهود قبل بلفور بسنوات تربو على المائة وخمسين عاما بينما مجلة كيفونيم (توجهات) الإسرائيلية فتكشف بتاريخ فبراير 1982 عن مخطط ارئيل شارون لنشر ما جاءت كونداليزا رايس بعده بعشرين عاما لتسميه (الفوضى الخلاقة) لتسير لإشعال المنطقة والتحضير لتلك الحرب العالمية.
والسيناريو يبدأ بتقطيع أوصال مصر الى دويلات منفصلة جغرافيا وتجزئة لبنان الى خمس دويلات على أسس عرقية وطائفية واستغلال البناء العرقي لسوريا لتفكيكها وجعل الأردن محلا لاضطرابات الفلسطينيين أما العراق فجاء على رأس القائمة مع توصية بالعمل على انهياره.
ولتحقيق هذا البرنامج الضخم كان لا بد من مساعدات أمريكية بلا تحفظ وهو ما جرى ويجري فعليا لإضرام اللهب تارة تحت دعاوى محاربة التيارات الإسلامية المتشددة وتارة أخرى لمواجهة الحركات الإرهابية وثالثة لنشر الديمقراطية في حين يبقى الهدف الأبعد هو تحقيق التنبؤات حتى وان كانت مزيفة.
والتساؤل قبل الانصراف هل ستنجو أمريكا من الغضب الآتي على العالم بدعمها لتلك السيناريوهات الصهيونية الجهنمية؟ بالقطع لا سيما وان هذا السيناريو يمكن أن يستقطب روسيا والصين للمواجهة التي لا يقطع احد بأنها لن تتطور الى حرب عالمية نووية وما الدرع الصاروخية الأمريكية في أوروبا مؤخرا إلا للإعداد لهرمجدون وليس لمواجهة صواريخ إيران.
لقد نجحت الصهيونية حتى الآن في جعل واشنطن تسير في (وادي ظل الموت) وقدر لها أن توجد من أمريكا حفارا للقبور طالما بقيت منساقة لرؤى حاكمية صهيون غير أن أول قبر تحفره سيكون لإمبراطوريتها المنفلتة الآخذة في الأفول