لم يسفر الاجتماع المطول الذي عقده سفيرا الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية الايرانية في بغداد اخيراً عن نتائج ايجابية وحاسمة.
ولولا اعلان مصادر الفريقين انهما اتفقا على تأليف لجنة امنية مشتركة تتولى البحث في تفاصيل القضايا المطلوب ايجاد حلول لها رغم اقتصارها على الموضوع العراقي لكان العراقيون ومعهم سائر العرب فضلا عن العالم ظنوا ان الاجتماع كان فاشلاً وان اي اجتماع آخر بينهما قد لا يعقد قبل مدة طويلة. لم تفاجىء النتيجة المتواضعة المذكورة المسؤولين الكبار في طهران. اولاً، لأنهم يعرفون صعوبة الوضع العراقي وتعقيداته الداخلية وتشابكاته الطائفية والمذهبية وخلفياته الاقليمية والدولية. وثانياً، لانهم يدركون ان اميركا لن "تعطيهم" اذا جاز التعبير ما لم تأخذ منهم. وهم لا يحتاجون اليها كي يأخذوا من العراق. فقد اخذوا ما فيه الكفاية منه وجماعاتهم الايرانية والعراقية تسيطر تمام السيطرة على آلة الحكم في العراق وعلى معظم المناطق الشيعية وتحاول السيطرة على مناطق التداخل بين السنة والشيعة ولاسيما في العاصمة بغداد. لكنهم يحتاجون اليها في الموضوع النووي. وهي لن "تعطيهم" فيه او بالاحرى لن تتجاوب معهم بقبولها البحث فيه معها ومحاولة ايجاد حلول او تسويات له ما لم تقم "بواجبها" في العراق اولاً. والنتيجة المتواضعة نفسها لم تفاجىء المسؤولين الكبار في الادارة الاميركية. اولا، لانهم مصممون على عدم تسليم العراق لايران. وثانياً، لأنهم مصممون على عدم تسليم سنّة العراق على اقليتهم للشيعة مع اعترافهم بحق هؤلاء في حصة كبرى في الحكم كونهم غالبية. وثالثاً، لانهم يعرفون ان ايران الاسلامية لا تستطيع ان تخسر ورقة العراق قبل ان ترتب امور ملفها النووي الامر الذي يجعل كل مفاوضات بين الفريقين استكشافاً للنيات ومحاولات غير مباشرة من كل منهما لاقناع الآخر بالانخراط في البحث الذي يهمه اكثر من غيره.
طبعاً لا يمكن منذ الآن الجزم وبنسبة مئة في المئة بان محادثات ايران – اميركا العراقية وفي بغداد ستفشل. ولا يمكن الجزم، بالنسبة نفسها انها ستنجح. لكن الدول الكبرى عالمياً والدول الكبرى اقليمياً لا تنتظر نتائج اي مفاوضات، بل تدرس احتمالات النجاح وتضع خطط تنفيذه واستثماره. كما تدرس احتمالات الفشل وتضع خططاً لمواجهته وتلافي آثاره السلبية. وهذا ما تفعله اميركا جورج بوش حالياً، استناداً الى مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة بعضها اميركي، رغم ان ما تبقى من ولايته يقل عن 18 شهراً.
ما هي الخطط الاميركية لمرحلة النجاح ولمرحلة الفشل في المفاوضات مع ايران؟
لا تتحدث المصادر المذكورة عن خطط مرحلة النجاح لأن مفاعيلها واهدافها تريح المنطقة وتريح اميركا وربما تضع قطار الحلول لاكثر من قضية على السكة. لكنها تتحدث عن خطط مرحلة الفشل لأنه خطير ولان تنفيذها مكلف ومن شأنه وضع المنطقة في حال انفجار قد يعرف كثيرون كيف يبدأ لكن احداً لا يعرف كيف ينتهي. وأحدى ابرز خطط المرحلة المذكورة تنطوي على نقاط عدة ابرزها ثلاث. الاولى، عسكرية وهي اقامة نوع من الحجر العسكري البحري المشابه للحصار على ايران بنشر قطع عدة من الاساطيل العسكرية البحرية الاميركية في "المياه" المجاورة لايران. وقد حصل ذلك. والثانية، عسكرية ايضاً وهي تزويد عرب اميركا في الخليج وخارجه او حلفائها كميات كبيرة من الاسلحة المتطورة والمتنوعة الامر الذي يمكنها من التصدي للخطر الايراني الذي يهددها فعلياً رغم نفي طهران ذلك وربما في وقت لاحق توفير ظروف اقليمية تسهل لاميركا التفوق على ايران في المنطقة وربما توجيه ضربة كبيرة اليها. والثالثة، هي قيام اميركا بشن حملة جوية قاسية جداً على ايران بدأ التحضير لها من زمان.
وبغية النجاح في تطبيق الخطة المذكورة، تضيف المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة التي بعضها اميركي، صارت وزيرة خارجية اميركا كوندوليزا رايس تزور حلفاءها في المنطقة في صورة دورية. وهذه المرة في الايام الاخيرة رافقها وزير الدفاع لان البحث لم يكن سياسياً فقط، وفي هذه الزيارات تطرح اميركا اموراً عدة منها تشدد العربية السعودية على حدودها مع العراق تلافياً لتسلل مواطنين من عندها او اجانب الى العراق للقتال الى جانب الارهابيين. ومنها ايضاً اقدامها هي (اي اميركا) على ايلاء الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي واستطراداً العربي – الاسرائيلي اهمية فعلية والسعي الى وضعه على طريق الحل، والاجتماع الدولي الذي اعلنه بوش قبل مدة قصيرة وجاءت رايس اخيراً الى المنطقة لتسوقه دليل مباشر على ذلك. ومنها ثالثاً، اقناع العرب غير المتصالحين مع اسرائيل وفي مقدمهم السعودية بالجلوس مع الاسرائيليين في الاجتماع الدولي المشار اليه. ولا يبدو ان ذلك مهمة صعبة وخصوصاً اذا تعهدت اميركا بحثاً في العمق عن حلول اثناء الاجتماع واذا لبّت اسرائيل ذلك.
في اي حال تعتقد المصادر اياها ان ايران ربما تكون اجرت حسابات خاطئة هي المشهورة بالحسابات الدقيقة. فهي تعتقد ان اميركا بوش لن تعتمد الخيار العسكري ضدها. واعتقادها هذا في غير محله. وهي تعتقد انها سترتاح في العراق بعد انسحاب اميركا منه وخصوصاً في المناطق الشيعية، واعتقادها هذا ليس في محله ايضاً لأن اميركا ستنسحب من المناطق الشيعية فقط وتتمركز في المثلث السني حيث بدأت علاقاتها تتحسن مع سكانه العراقيين وعشائرهم وفي الشمال الكردي، ولانها ايضاً لن تدع ايران ترتاح في المناطق الشيعية. وهي تستطيع ذلك وستنجح فيه مثلما نجحت ايران حتى الآن في حرق الارض تحت اقدام القوات الاميركية في العراق. طبعا قد تراهن ايران على ضغط اميركي داخلي على بوش للخروج من العراق وعدم الوقوع في مستنقع آخر. وهذا الرهان صحيح مبدئياً. لكنه لا يصمد عملياً لأن بوش سيبقي القوات في العراق حتى انتهاء ولايته وان ادى ذلك الى خسارة مرشحي حزبه الانتخابات على انواعها. ولان الديموقراطيين لن يمانعوا في ذلك عملياً لان القضية ستبقى في الاعلام ولان استغلالها للربح في الانتخابات الرئاسية سيستمر.
سركيس نعوم
sarkis.naoum@annahar.com.lb