ليس هناك عالم.. أنا العالم! قال هذه العبارة الغريبة أوجست ستريندبرج الذي يعتبره الكثيرون رائد المسرح الحديث في العالم والعبارة غريبة
لأن قائلها يلغي فيها وجود العالم كله ولا يري سوي نفسه وهي تري العالم.. إذن ليس هناك عالم سوي الذي يراه!! وأهم كلمة في هذه العبارة هي كلمة أنا فهي كل شيء ولها الحرية المطلقة أن تري أو لا تري حدودا للحرية!
وستريندبرج الذي ولد في السويد عام1848 له عبارات طريفة كثيرة أثارت اهتماما ومشكلات في مجتمعه وقت أن قالها من هذه العبارات مثلا: علم الاقتصاد هو العلم الذي اخترعه الاغنياء للضحك علي الفقراء, وأنا أكره الناس التي تحتفظ بالكلاب فهم لا يستطيعون أن يعضوا من يكرهونهم بدلا من الكلاب! وقال أيضا: تصبح الثورة شرعية عندما تنجح!
هذه العبارة وغيرها لم تكن سوي القليل من فكر ورؤية ستريندبرج الذي اصطدم مع واقعه والمسئولين عن المؤسسات الدينية والسياسية في مجتمعه, وانقسم الناس في السويد مابين رافض تماما ومستهجن لهذه الجرأة المبالغ فيها وقتها وآخرين يقبلون هذه الأفكار ويناصرونها.
ومن المثير أن ستريندبرج تعرض من جراء هذه الأراء والأفكار لمواقف متناقضة فكان عندما يسافر مثلا بالقطار يستقبله البعض في أحدي المحطات بقذفه بالطوب والبيض واللعنات, وفي محطة أخري بالزهور والابتسامات وصيحات الاستحسان!
ومن الغريب أن الذين يرونه رائدا للمسرح الحديث باحثون في المسرح من أمريكا وفرنسا برغم أن المجتمعات الاشتراكية في روسيا وأوروبا هي التي دعمت آراءه في البداية وطوال حياته.
ولقد كان لطبع ستريندبرج العنيف ومزاجه الحاد أسوأ الأثر والنتائج في حياته, فكانت هناك صدامات حادة بينه وبين المفكرين وكتاب عصره, وكانت حياته أشبه بالكابوس حاول التخلص منه مرات عديدة بالانتحار, وكان أول محاولة انتحار وهو في الثامنة من عمره!
ولم يكن سعيدا في حياته مع النساء, فتزوج ثلاث مرات وفشل فيها جميعها, ولم تثمر هذه العلاقات مع الآخر سوي أسر غير سعيدة وأعمال فنية مسرحية تجسد الصراع الأبدي بين الرجل والمرأة, ومن أهم مسرحياته الأب وفيها يلعن العلاقة بين الجنسين ويراها فاشلة بالضرورة لأن أساسها الصراع!
كتب سيرته الذاتية في شكل عمل فني اسماه الجحيم تحدث فيه عن محطات العذاب والألم في حياته, فكانت كتابة المسرح والرواية والرسم خلاصه الوحيد.
ومن الأشياء المحيرة الكراهية والشك المتبادل الذي يحكي عن تاريخ المسرح بين ستريندبرج ومعاصره الآخر الكاتب المسرحي الشهير هنريك ابسن.
وبرغم أنهما لم يتقابلا أبدا, كان ابسن يضع صورة ستريندبرج خلفه في المكتب حتي لا ينسي منافسه؟!
فكان الصراع بين الاثنين تجسيدا لصراع آخر بين موهبتين في الفن أحدهما يتزعمه ستريندبرج ويري الحرية في الفن مطلقة بلا حدود والآخر يتزعمه ابسن ويري الحرية محسوبة ولها ضوابط كما سنري.