من المقولات الشائعة التي يرددها من يتخذون الإسلام شعاراً للوصول إلى الحكم، كقادة انقلاب «حماس» ونظرائهم الذين انطلقوا من العقيدة السياسية نفسها التي انطلقت من مصر ثم شملت دول العالم أجمع،
سواء أكانت إسلامية أم فيها جاليات إسلامية، وليس أدل على ذلك مما يكتبه الكاتب الذي تعاطف مع الخميني وثورته، مع انه عربي مصري سني من المحسوبين على « الإخوان المسلمين»، المقولة التي تكررت حتى شاعت بين من لهم غرض سياسي ومن لا غرض لهم من عامة المسلمين، وهي ما معناه «الظلم السياسي الواضح من احتلال فلسطين وتشريد أهلها وبمؤازرة غربية، هو ما أدى إلى وجود وانتشار الرعب والقتل والترويع الذي ينفذه شباب مسلمون». وهذه مقولة تناوش أطراف الحقيقة ولكنها لا تذهب إلى ما ينبغي أن تذهب إليه لتصل إلى الحقيقة أو إلى الجزء الأهم منها على الأقل. فلا جدال أن مأساة فلسطين هي من مصادر النزاع والحروب، وخاصة الحروب التي تنفذها أحزاب سياسية لأهداف سياسية، أو انقلابيون عسكريون لا يهمهم من فلسطين إلا اتخاذها غطاءً للوصول إلى الحكم أو البقاء فيه. ولا جدال أن وضع العراق مأساة حقيقية أخرى.
غير أن وجود هذه المصائب يخلق البيئة المناسبة لتجنيد المتمردين القتلة ولا علاقة مباشرة لوجوده بالقادة الآمرين الذين يسعون لإيجاد خلافة إسلامية تحكم الدنيا والأفضل أن تكون من ارض «الرسالة» ولا بأس أن تبدأ في «إمارات» أخرى في أفغانستان والعراق وغزة وغيرها. أليس الدكتور عبدالله عزام، زعيم «الإخوان المسلمين» في الأردن، العربي الفلسطيني، أستاذ أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وغيرهم من قادة الرعب، هو الذي فضل الأفغان على الفلسطينيين، ما دام أن الفرصة مؤاتية للوصول إلى السلطة في أفغانستان، فهل يليق بعربي مسلم لبيب أن يضيع وقته في محاربة الإسرائيليين المغتصبين لأرضه؟
الأمر واضح. إن هدف قادة الإرهاب والترويع والقتل، ودافع الجهلة الذين عذبهم شعورهم بالذنب إلى قتل أنفسهم، للعتق من هذه النفوس التعيسة المعذبة بأي وسيلة بما في ذلك قتل النفس المتعمد، هو السلطة. نعم السلطة بلحمها وشحمها حتى لو اكتست وسائل الوصول إليها بأكسية جذابة تستدر عواطف الأمة المتعطشة إلى ماض إسلامي عربي مجيد. والمتابع سيلحظ أن قادة الفكر الإرهابي سيقولون للقراء في الصحف وفي الإنترنت إن سبب الإرهاب هو اعتقال الإرهابيين والتحقيق معهم لفترات طويلة. وينصح قادة هذا الفكر المكشوف بالملاطفة وأخذ التعهد ثم إطلاق جميع المعتقلين. وتأتي التعليقات المعدة سلفاً، نعم هم شباب متدينون لا يضمرون إلا الخير ولا يدفعهم للعنف إلا ما يرونه من ارتكاب للمحرمات.
ولا داعي للتحقيق لفترات طويلة حتى إذا تم العفو عنهم يتحولون إلى مواطنين أسوياء! على الأقل، اغلبهم سينقلبون إلى مواطنين أسوياء، وإذا شذ عشرة أفراد أو اقل أو أكثر فلا داعي للقلق ولا مشكلة من أنهم تعلموا وسائل تحقيق المسؤولين عن امن واطمئنان بقية المواطنين، لاكتشافهم هم وزملاؤهم في الخلايا الأخرى، كي يتحاشوا وسائل كشفهم.
ومع أن المحققين السعوديين لا يوظفون التعذيب والإهانة للحصول على المعلومات المفيدة لكشف الخطط الإرهابية قبل تنفيذها، فإن ذلك لا يمنع القادة العسكريين لهؤلاء المتورطين في اعمال ارهابية من إقناعهم بأن الأجهزة الأمنية ستعذبهم، ويجب أن يقتلوا أنفسهم ليتحاشوا التعذيب. وهذا التخويف من التعذيب لا يقوله قادة هذا الفكر على المنابر وفي الصحف وإنما على الانترنت بأسماء مستعارة. والقصد من قوله، كما هو واضح، هو حماية الخلايا الأخرى التي لم يتم اكتشافها، فـ «بعبع» التعذيب ليس لحماية من يقبض عليهم وإنما لحماية خطط الإرهاب التي سيتم تنفيذها في المستقبل. ومن الواضح انه لا يقول مثل هذا الكلام على الانترنت أو في الصحف أو في بعض القنوات الفضائية المعروفة، إلا قادة الفكر الإرهابي. وهو فكر اصبح واضحاً ما يبذل من جهد لصياغته ونشره بطرق تغري معذبي الأرض من شباب المسلمين باعتناقه، خاصة من كانوا من الجهل والسذاجة بحيث لا يفقهون بأنهم يُستخدمونَ كأنياب ومخالب للقادة في الكهوف وفي السراديب المظلمة في المدن والأماكن المأهولة.
إن من عندهم الاستعداد النفسي قبل أي اعتبار آخر، والذي ينبع كما يعرف المختصون من عدم الرضا عن النفس لشعورهم بأنهم اقترفوا ذنباً حقيقياً أو متخيلاً في حق خالقهم أو مخلوقاته، هم من يسهل تجنيدهم لقتل أنفسهم. وحتماً ليس لشعورهم بأن الفلسطينيين أو العراقيين أو غيرهم مظلومون. فنحن جميعاً، وأقصد بنحن عامة العرب والمسلمين، نشعر بأن الفلسطينيين وغيرهم من العرب والمسلمين مظلومون، ومع ذلك فأغلبنا يفضل الحياة على الموت. وبالطبع فلا القادة العسكريون للإرهاب ولا قادته المفكرون يقتلون أنفسهم وإنما يوظفون أبناء وبنات غيرهم للانتحار أو ما يسمونه لهم بـ «الاستشهاد».
والله من وراء القصد.
أكاديمي سعودي