في يوم المرأة العالمي
نقول مبارك لكي أيتها المرأة في يوم عيدك المجيد ، ومبارك لنساء العراق خاصة في هذا اليوم وهنَّ يقودن صراعاً طويلاً متعدد الأغراض والإتجاهات ، ومبارك لنساء العالم يومهن الذي فيه وقف العالم ينظر و يستذكر عطاء المرأة وقدرتها وصناعتها الإيجابية للحياة ، وفي هذا اليوم نتذكر كذلك كم عانت المرأة من الظلم والإضطهاد والبغي والأستبداد والعبودية والإستخفاف ، بأسم القبيلة تارةً و بأسم الدين أخرى وثالثة بأسم السياسة ، ومع ذلك لم تلن المرأة ولم تهادن ولم تترك حقها المهدور ، وظلت تمارس دورها الإيجابي والتوعوي في جميع الساحات والمجالات وفاءا لمبادئها وقيمها و مستقبلها .
وهكذا تحصلت على أشياء ومُنعت عنها أشياء ، ولكن عينها لم تنم وظلت تراقب الأحداث وتعمل بجهد وتدعوا المخلصين في المساعدة على تأصيل حقوقها وإسترجاع كرامتها ، التي خربها البغي وبعض رجال الدين الفاسدين ، الذين يخرجون علينا بين فنرة وأخرى ، يحدثوننا من بطون التراث وعفنه عن أخبار وروايات ما أنزل الله بها ، ويفسرون لنا حقوق المرأة وشأنها حسب مقاسات الأعراف والعوايد البالية .
وإذا كنا نفخر بأن هناك جيلا من النساء كتب لهم القدر ، ان يشاركن العالم في نهضته وتطوره ، لكننا أبداً لم ننسى ما عانته وتعانيه المرأة في شرقنا الأوسط المحكوم بعاداته القبلية المتهالكة وبنموذجه المنتهي الصلاحية ، والذي لازال بعض البعض ينشد ذلك الزمن التعيس ويصفق له ويسميه الزمن الجميل بكل مافيه من فساد وعفن وخيانة .
ولازلنا نحن دعاة الحرية والكرامة والعدالة نطالب من غير هوادة وننصح ما أستطعنا إلى ذلك سبيلا من بيدهم الحل والعقد ، أن ينصفوا الأمهات والأخوات والزوجات والبنات ، وان ينصفوا مصانع الحياة وجوهرها بعيداً عن الأنانية وضيق الأفق وفقدان التوازن .
ولازالت قبائح التاريخ تتحكم بالقسط الوافر من حياتنا ومعارفنا وتربيتنا وتعليمنا ، ولازال هناك المريدين والمصفقين لكل ما من شأنه أبخاس المرأة حقوقها وحيويتها وعنفوانها وأصلها الأصيل .
ونحن وفي خضم تلك الصراعات الدولية المتعددة الأشكال والجوانب ، تبرز عندنا الحاجة للتأكيد على الحقوق الإنسانية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية للمرأة في منطقتنا ، ولعل الحاجة تبدو أكثر إلحاحاً في ظل المتغير الدولي والحروب التي نشبت وستنشب في أطراف العالم ، ولكي لا يضيع حق المرأة وتندثر حقوقها في ظل هيمنة السياسة الذكورية على العالم ، نود نحن بصفتنا وشخصنا التذكير بالحقايق والتنبيه إلى أهمية عودة الحقوق وإنصاف المرأة العراقية و العربية والمسلمة ، التي طالتها يد الظلم والتعسف بحجج غبية وأخبار كاذبة وتقاعس من البعض وعمدية من البعض الأخر ، وغياب متعمد لدور المرأة الفاعل وإمكانيته في المشاركة في رسم ما يخطط لها وما يُراد تسويقه .
لقد عاشت المرأة العراقية والعربية والمسلمة منذ قديم الأزمان صراعاً متعدد الوجوه ، وكانت دائماً هي الضحية وهي كبش الفداء من دون نظر لقيمها ومشاعرها وشخصيتها ، وتُقص علينا الأيام الخوالي حكاية المرأة وكيف عاشت وتحملت ، لكنها أبداً لم تلن وظلت إرادتها صلبة قوية .
إن المرأة هي العنصر الصادق في هذا العالم الذي يملئه الكذب والتحايل والفساد ، وقد بادلت المرأة الحياة والأرض حباً وإحتراماً منطلقة من سجاياها وشمائلها ، وقد أتيح للبعض من النساء ان يجعلن من العمل والكفاح مداداً لكلماتهن عن القيم والشرف والنزاهة و الحياة الحرة الكريمة .
فكانت نساء العراق مثلاً شريكاً صالحاً وصادقاً في إكتشاف نهضة العراق من بداية التكوين وإلى يومنا الحاضر ، وكن شريكات في التأسيس لقواعد المجد في البناء والأعمار وتركيز الجهود من أجل صناعة الإنسان للغد المشرق ، وقد أتيح لهذه المرأة الطموحة والفذة أن كانت أهدافها عالية و كبيرة وعميقه فمن الله عليها وأغدق من الخيرات و النعم ، ولأنهن كذلك فقد بادلنَّ الرب هذه النعم بالشكر والتسخير الصالح لخدمة المجتمع والناس ، ولهذا كانت لهن الريادة في أداء دور المعارض الفطن وصاحب الحق الذي لا يسكت على ضيم ، وتحدثنا الأخبار عن ذلك مع تركيز هنا وتركيز هناك ، لقد جعلت المرأة العراقية هدفها وطموحها تحرير العراق من الظلم والفساد والحلم الناصع النقاء بالعيش الكريم والعدالة والحرية للجميع .
وكان العراق هذا الرمز التاريخي الممتد جذوراً وحضارة في ضمير كل إنسان مشى على هذه الأرض وفي العالم ، قد رسخ جذور حقوق المرأة منذ القدم ، وتحدثنا المدونات التاريخية وقوانين البابلين والسومريين والآشوريين كيف كانت المرأة حاضرة وكانت جزءا مهما من تكوين المجتمع والحياة وكان الذكر جزءا منهن ، نقول هذا ليس من باب الفخر ولكن من باب سد الذرائع على أصحاب اللحى والعمائم المزيفة .
ولولا عبث السياسة الحالية والطمع والخرق التاريخي الذي كان يكتب ويقرأ لوحات الواقع على نحو مقلوب ، لما سجلت بعض روزنامات الأباعد هذه النكسة التي نشاهدها ونلمسها تجاه المرأة في منطقتنا ، ولولا كدورة عقلية البعض ممن يتلحفون بالدين ومارافق ذلك من تزييف وتحريف ، وقلة وعي وتهميش للبعض نتيجة لذلك لما كان حال المرأة كما هو اليوم رديء ، ولما كانت تلك التسميات تأخذ الطابع العام في الخرائط والمجلات ذات الشأن الحزبي الخاص .
نعم إن العراق عاش النكبات والحرمان والجهل بسبب الطيش والرعونة وهشاشة الإنتماء ، وإستغلال البعض لهذه النواحي مما جعل حال المرأة العراقية يتراجع خطوات كبيرة وكبيرة جداً ، ومع كل هذا فلن يستطيع الجهل والرعونة طمس الحقيقة أو تضييع الحقوق ، مادام هناك نساء حريصات على كتابة التاريخ ومادام هناك رجال مخلصين لوطنهم ولشعبهم ، ولن يضيع حق ورائه مطالب .
فإلى نسائنا في العراق وإلى نساء العالم التهنئة والتحية وكبير الإحترام والإخلاص ..