عند الكلام عن الوطنية يجب التمييز دائماً بين الشرفاء والأدعياء ، فالشرفاء لا يحسبون الوطن منافع ومصالح وأمتيازات ولا يتخذونه أخدان ، على عكس الأدعياء المضللين ناشري الفتنة والرياء والحقد الطائفي البغيض .
إن التظاهر من أجل الوطن الجامع سمة يمتاز بها الشرفاء من الكادحين والعاملين المؤمنين بالحق والعدل والحرية ، وهؤلاء لا يرون الوطن ضيعة أو مغانم يجب تقاسمها أو إقتطاعها ، في كل حال وإن سبب ذلك وجعاً وألماً كبيرين للغير ، إن الأدعياء يتظاهرون لا حباً ولا إيماناً في التظاهر بل من أجل التخريب وزيادة المعاناة على كاهل الوطن والمواطن لغرض في نفوسهم المريضة ، أو يكون التظاهر من أولئك الذين لم يحصلوا على نصيب من السرقات أو من بعض الحانقين والمرجفين ، ولهذا ترآنا نؤكد ونقول : خذوا الحيطة والحذر من المتلاعبين وممن في قلبهم مرض ، فعندنا التظاهر ليس فسحة بل هو وسيلة لتحقيق هدف نبيل في البدء وفي المنتهى .
والوطنية ليست شعارا يتلحف به من غير المؤمنين بها ، إنما هي قيمة ومعنى ولهذا كنا على الدوام نرفض الزج بالمسميات الوطنية في التنابز الطائفي ، سواء في الكسب أو التأييد أو التأثير على الناس وخديعتهم ، وحين نقول ذلك : فنحن لا نلغي إنتماءات الناس وتوجهاتهم الفكرية بل هي عندنا في المجمل محترمة ومُصانة ، والمواطن الشيعي كما هو المواطن السني المنتفض لا يعبر في إنتفاضته عن رفض للسنة أو الشيعة ، فثمة فرق بين التظاهر المطلبي والحقوقي وبين الإنتماء العقيدي والشرعي فهذه غير تلك .
ويجب على المتظاهرين عدم إلزام أنفسهم بشعارات أكبر من الواقع ( أعني مستحيلة ) ، و لا يجب التركيز على دول الجوار مدحاً أو ذماً فهذا لا ينفع ولا يجدي في ساحة البحث عن العدالة والحرية والسلام ، والتغيير المنشود يستهدف القضاء على الفساد والمفسدين وهذه لها آليات عمل يجب إتباعها بدقة وصرامة والتركيز عليها ، لا الإنشغال في الهوامش والجزئيات التي هي غالبا للشيطان ، وحرفة الفساد هي طبيعة أو جبلة نفسية لا ترى إلاَّ مصالحها ومنافعها على حساب الغير ، وهذه الفئة هي من فرهدت العراق وباعته للمحتل وأنحنت أمام عساكره وجحفله ، وهي من خربت على أهل العراق ، وهؤلاء هم بعض أهله ممن غرهم الشيطان فأملى لهم ، ولهذا لا يجب تحميل أخطائنا للغير مهما كان هذا الغير قريباً كان أو بعيداً ، والحكمة تقول ( فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) ، من وحي ( كل نفس بما كسبت رهينة ) .
كما لا يجب خديعة الناس وخلط الأوراق عليهم ، وهذا يعني تصحيح المسار من خلال تصحيح الرؤية ليكون الشعار مرتبطا بالواقع ، والحراك الشعبي هذا يجب ان يكون بريئاً غير مدنس بأنفاس الحاقدين أو المهزومين ، فعودة العقارب إلى الوراء تعد من المستحيلات ، إنما التركيز على التغيير في الإطار الحضاري المنتمي للوطنية النزيهة البعيدة عن شعارات القوم من هنا وهناك .
إن الموقف من دول الجوار يجب أن يكون إيجابياً ، لأننا لا نستطيع الخروج عن الواقع وعن القدر ، نعم كان للجوار دورا سيئا في أحايين كثيرة لكننا لا ننظر إلى الوراء ولا يجب أن نتابع الزلات ، إنما يجب النظر إلى المستقبل ، ما يهمنا بناء إنساننا العراقي ذاك الذي ضاق ذرعاً ، من عهد صدام وحروبه العبثية السخيفة إلى عصر النكبة في ظل حكم الطوائف والملل .
إن موقفنا وتأييدنا للحراك الشعبي في أصله إجتماعي وإقتصادي وسياسي وثقافي ، لكننا أبداً لا نريد أن يتحطم العراق أو أن تزول الدولة ، فنحن ضد العبث وضد الفوضى ودائماً مع النظام والقانون ، ولهذا ندعوا لملاحقة المفسدين حيثما كانوا وفي أي المراتب ، كما ندعوا ليكون الجميع شركاء في صناعة العراق الواحد تحت رآية الحرية والديمقراطية الصحيحة ، وسنظل أوفياء لهذا النهج مدفوعين بحرص وإيمان شديدين على وحدة العراق أرضاً وشعباً ، هكذا كنا وهكذا نكون بإذن الله ..