اليوم هو احد الايام التي اشيعت لاسقاط حكومة المالكي وفقاً لواحدة من السيناريوهات المتعددة، والثاني موعده في نهاية الشهر الحالي والثالث قبل او بعد 15 سبتمبر موعد تقديم ديفيد بترايوس القائد الامريكي في العراق وريان كروكر السفير الامريكي في بغداد لتقريرهما امام الكونغرس
ووفقاً لهذا السيناريو الذي يمكن تجزئته لاثنين، ان يتم اسقاط الحكومة قبل تقديم التقرير لتجنب هذا الموعد او لإلقاء الفشل عليها وجعلها كبش فداء له، والثاني ان يتم بعده على اعتبار ان هذا التقرير لن يخلص الى تحقيق تقدم على الناحية الامنية والسياسية رغم زيادة عديد القوات الامريكية. من هنا فان الوضع العراقي بات مرتهناً لازمان الآخرين، الزمن الامريكي المتسارع بسبب الصراعات الداخلية والتي باتت نافذة الصبر وهي تتطلع الى احراز تقدم لتخفيف اعباء التورط في العراق حيث اتسم ذلك بتوقيتات زمنية متسارعة وقيود يضعها الكونغرس، وزمن دول المنطقة الفاعلة بالسلب في الشأن العراقي والتي تخوض في ساحته حربها لإفشال المشروع الامريكي وجعل كلف الاستقرار باهظة لتقايض ثمنه بعد ذاك بملفات تخص هذه الانظمة، وهذه الدول تشد للخلف وتعمل جاهدة على تبطئة الزمن لتعظيم اوراقها وإيقاف اي تحسن يمكن ان تستفيد منه الادارة الامريكية للتخفيف من ضغط الديمقراطيين والمنشقين الجمهوريين عليها، وثالثهما الزمن العراقي المشدود بلا حول من هذين الزمنين واستحقاقاتهما المتعارضة، من دون ان يكون له زمنه الخاص يحسب فيه المتحقق ويتطلع الى اهداف محددة ومجدولة لبناء الدولة وملاقاة حاجات مواطنيها التي اختزلت بحق الحياة والأمن وادنى الضروريات. ووفقاً لازمان الآخرين ايضاً باتت تصاغ مشاريع الجبهات والحراك السياسي، فمن مشروع جبهة المعتدلين التي تضم القوى الرئيسية في المشهد السياسي لدعم الحكومة وتوفير الاغلبية الساندة لها، الا انه من غير المرجح ان يتجاوز هذا التحالف الصيغة التنسيقية الى مشاريع جبهات لم تكتب لها الحياة والفاعلية والتي لا تستطيع بأي حال وعلى المدى المنظور ان تحصل على الاغلبية التي تؤهلها لتوفير النصاب الحاجب للثقة عن الحكومة وإسقاطها، ولذلك فان هذه المشاريع تحاول ان تعوض عن هذا النقص في الشرعية بان تأتي عبر منصة اقليمية وعربية داعمة مستثمرة مخاوف هذه الدول من احتمالات تدحرج الاوضاع في العراق الى هاوية التقسيم او الحرب الاهلية او من تنامي نفوذ ايراني يقترب من خاصرة الدول العربية المتوجسة منه. الا ان هذه المشاريع ظلت تحمل بذور الاخفاق، فهي تقع في عدد من المفارقات، ففي الوقت الذي تدعي بان تشكلها هو من اجل مشروع وطني فإنها لا تكف عن التحشيد الخارجي لدعم مشروعها المنقذ، وفي حين تدعو للانسحاب الامريكي وتبارك المقاومة فإنها تبث رسائل ومشاريع تطمين الى الامريكان وتتوسل دعمهم لكي تعتمد كبديل عن الحكومة الفاشلة! والمفارقة الثالثة هي رغم ان بعضها قوى ديمقراطية وارتضت الدخول في لعبتها وانتفعت منها الا انها تبرمت من انتظار اوان التداول السلمي للسلطة وبشرت وروجت لمشروع حكومة انقاذ تنقلب على الشرعية الانتخابية والدستورية. قبل تقييم حظوظ هذه المشاريع من النجاح لابد من التنبيه الى خطورة بعضها، فهي فضلاً عن الجانب المشخصن في اغلبها وأنها تختزن اصطراعا ضاريا على السلطة وتضم فرقاء لا يجمعهم الا العداء للحكومة ويفرقهم كل ما بعده، الا ان الاخطر فيها انها بدل ان تؤهل العراق في محيطه العربي فإنها تجعل هذا المحيط متردداً ومحجماً عن التعامل معه ايجابياً وفي مساعدة او التعاطي او الاستثمار في حكومة تخبره هذه الاطراف بان عمرها اسابيع اذ لم تكن ايام، والمؤلم في هذا جانبه الذي يطيل من عذابات العراقيين. مع ذلك فانه من غير الراجح لهذه المشاريع ان تحقق الاغلبية القادرة على اسقاط الحكومة اذ رغم الدفق الاعلامي الذي يصاحب هذه المحاولات فإنها لا تستطيع على احسن الفروض ان تجمع في تكتل حتى نصف العدد المطلوب، وثانياً انه وبسبب من الانقسامات المجتمعية الحادة التي اوجدها العنف فانه وان خرجت او تناقضت اطراف في الائتلاف الحاكم مع توجهاته فإنها لا تبتعد وتذهب لحد الانضمام لمناوئيه الساعين لإسقاطه اذ انها بذلك ستجازف بالانتحار سياسياً عندما تستعدي شارعها، وثالثاً فان الملاحظ ان الاطراف الساعية لتقويض اغلبية الحكومة هي نفسها اكثر هشاشة وتختزن الصراعات وبعضها انقسم والآخر ينتظر عند اول مفترق طرق، ورابعاً فان التهديد بالانسحاب من العملية السياسية لإفشالها الذي يكرره بعض قادة الكتل من مقر اقامتهم في عواصم الجوار بات لا يعدو الا ان يكون سلاحا للتلويح اذ انهم لا يجازفوا بالانسحاب لكي لا يستعدوا الامريكان من جهة وهم ايضاً لا يضمنون امتثال اعضاء كتلهم لذلك من جهة اخرى، وخامساً استحالة التفكير بامكانية انقلاب الامريكان على نتائج العملية الانتخابية اذ فضلاً عن ان هذا يتناقض مع كل ما يؤمنون ويبشرون به فانه سيقضي على المعلم البارز من ركام العراق وهي العملية الديمقراطية. الا ان هذه المحددات لا تعني منح الحكومة شيكاً مفتوحاً يقيها من الاطاحة ويعفيها من مراجعة مواضع فشلها العديدة وضعف الاداء والانسداد في افق الاصلاح السياسي وتواضع النتائج لجهة تحقيق الاستقرار وحكم القانون او يغنيها عن استقطاب الشركاء في الوطن وإشراكهم في صنع القرار ومسؤولية الحكم، كما عليها ان لا تستغل حالة عدم وجود البديل المتفق عليه او تخوف الامريكان من تغيير يفضي الى جمود سياسي او فراغ حكومي كونه اخر ما تحتمله توقيتاتهم المتسارعة، وعلى الائتلاف الحاكم ان لا يركن لشرعية الانتخاب من دون الانتقال لشرعية المنجز.