انه، اذاً، صدام الحضارات. قال الغرب تعقيبا على ليلة المغول في باريس...
صمويل هانتنغتون لم يطلق نظريته من قبيل العبث الفلسفي، ولا من قبيل الفانتازيا التاريخية. لاحظ الفارق بين من يمشي على ظهر القمر، ومن لا يزال على ظهر القرون الغابرة، دون ان يلاحظ ما فعله الاله الابيض فينا منذ ان شاع مصطلح «المسألة الشرقية» وصولا الى سايكس- بيكو وفرساي ولوزان وسان ريمو...
اتفاقيات ومؤتمرات ليست فقط لتقطيعنا بالسكين، انما لتعليبنا داخل تلك العباءات الرثة. الغرب من انشأ الانظمة التي لم تخرج حتى الساعة من ثقافة البداوة. بدل ان نجر الزمن وراءنا، كما يفعل الاخرون، نجر الابل وراءنا او تجرنا الابل وراءها...
لن نقول ان جون فوستر دالاس هو من اخترع ذلك النوع الاعمى من الاسلام بحجة درء الشيوعية. منذ نحو الف عام ونحن نعيش هذا النوع من الاسلام البعيد، حتما، عن عبقرية النص وعن تفاعلية النص. ذلك التواطؤ الهائل بين العديد من رجال السياسة والعديد من رجال الدين لنبقى، وكما كتب جاك بيرغ، خارج ديناميكية الدهر...
ما يحدث الان حصيلة قرن، قرن ميت، من الزمان. مات فيه الاسلام ومات فيه المسلمون بالرغم من كل المظاهر، وكل التظاهرات، الخادعة. حدقوا جيدا في هياكلكم العظيمة. ان «داعش» في كل واحد منا حين نمضي في التأويل التلمودي للنص كما للتاريخ...
اللعبة لا تزال اياها. الم يلطخ فرنسوا هولاند (كبائع متجول) بالتواطؤ مع رجب طيب اردوغان (كسلطان ضائع) ايديهما بالدم السوري ان لاغراض جيوبوليتيكية او بحثا عن الصفقات داخل طوفان الجثث الذي يجتاح كل الحدود ويحطم اسوار الامبراطوريات...
حزننا من اجل فرنسا اندريه مالرو و ريجيس دوبريه وروجيه غارودي لا من اجل فرنسا برنار- هنري ليفي واندريه غلوكسمان والان فينكيلكروت الذين شكلوا «الثالوث الفلسفي المقدس» (الثالوث اليهودي) للحث على تدمير كل ما هو خلاق، وكل ما هو متفتح، وكل ما هو عبقري، في الشرق...
الان يكتشف الفرنسيون الذين ولغوا بالدم السوري انهم انما ولغوا بالدم الفرنسي. والان يكتشف الاتراك الذين ولغوا بالدم السوري انهم انما ولغوا بالدم التركي.
لاحظنا كيف هبّ الاليزيه وكيف هبّ البيت الابيض عقب ظهور السوخوي في السماء السورية. لا بد ان نتوجس مما يحدث وراء الضوء، بعيدا عن تلك التحليلات الفولكلورية لبعض العمداء المتقاعدين الذين تحولوا بين ليلة وضحاها الى خبراء استراتيجيين، لكأنهم عادوا للتو من معركة المارن او من معركة العلمين او من انزال النورماندي (حطين العزيزة سقطت من ذاكرتنا) وحيث تتبّع معارك القرى بلغة من يعتبر ان الذي يحصل يشق الطريق الى سوريا، فيما السيناريوات ترسم في امكنة اخرى و بمفاهيم اخرى...
نسأل كيف ان القاذفات الاميركية راحت تحط وبكثافة في قاعدة انجرليك، كما في قواعد عربية قريبة ،كما لو اننا حيال بلقنة سوريا بعدما استعاد الجيش السوري حيويته، الجيش الذي اظهر بطولة فذة. حرب على مئات الجبهات في مواجهة جحافل انفقت عليها المليارات لتدميره او لاختراقه دون طائل...
البلقنة في كل الاتجاهات. ما هي حصة رجب طيب اردوغان الذي يعتبر ان تحرير حلب يعني سقوط السلطنة؟ وما هي حصة بنيامين نتنياهو الذي اصر في محادثات البيت الابيض ليس فقط على الاعتراف بيهودية مرتفعات الجولان بل وعلى اقامة الدولة الفلسطينية (بعد توسيع مساحة الاردن) في منطقة حوران؟
ما حدث في باريس زعزع الغرب بعدما صفق للطائرة الروسية وهي تتناثر. قال لهم ريجيس دوبريه «هي جثث الاخرين تثأر منا»!