الخبير الاستراتيجي الاميركي انطوني كوردسمان يختزل المشهد «الكل اخفوا اصابعهم المحترقة بالقفازات، ولكن هل تكفي الاقنعة لاخفاء الوجوه المحترقة؟».
والكل ذهبوا الى فيينا على قرع الطبول. كوميديا ديبلوماسية، حتى ان وزير خارجية عربياً مشاركاً تحدث قبل فترة، ووراء الضؤ، عن قناعة بأن بشار الاسد لن يسقط الا اذا سقطت دمشق. في وقت سابق قال ان دمشق تسقط عندما تسقط صنعاء. حسناً، لم يقل عندما تسقط موسكو او حتى عندما تسقط...واشنطن.
في نهاية المطاف، الكلمة للقيصر. سيرغي لافروف يسأل «اين هي خطتكم لتصفية تنظيم الدولة الاسلامية؟». هذه ليست اللحظة المناسبة لكي يضع على الطاولة الوثائق الاستخباراتية التي تثبت ان ثمة بين المشاركين من بعث بالمال وبالسلاح الى تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» لافغنة سوريا...
لم يقل ايضا ان ثمة دولة مشاركة اعدت السيناريو الخاص بارسال عشرات الصواريخ المضادة للطائرات الى سوريا للتصدي للقاذفات الروسية. موسكو لديها كل التفاصيل وابلغت الدولة اياها بأن لغة اخرى، واسلحة اخرى، ستستخدم في هذه الحال...
كوميديا ديبلوماسية ام لوياجيرغا ديبلوماسية. هيروشيما تتدحرج في سائر الارجاء السورية، والبعض مازالوا يتعاملون مع التراجيديا التي تلامس ابوابهم وعباءاتهم بمنطق شيوخ القبائل. روسيا رؤيتها واضحة لما يفترض ان يحدث. اليوت ابرامز يقول ساخرا ان جون كيري ذهب الى فيينا في حقيبة سيرغي لافروف...
لا، لا. الروس يوضحون ان الرئيس باراك اوباما في مأزق. مأزق الحلفاء. ماذا يريد الاتراك وماذا يريد السعوديون وماذا يريد القطريون وماذا يريد الاسرائيليون من سوريا وفي سوريا. في البيت الابيض تقارير استخباراتية كافية حول طبيعة الحرب التي لا بد ان تندلع اذا ما ازيح بشار الاسد عن السلطة بالقوة...
بوضوح منقطع النظير قال كيري ولافروف ان الاولوية هي لانقاذ سوريا من الجحيم. قالا ايضا انهما يريدان سوريا «علمانية متحدة». لم يقولا «علمانية اتحادية». الكونفديرالية او الفديرالية في سوريا قاتلة. في الاروقة الخلفية يقول الاميركيون ان حلب تذهب الى تركيا، ودير الزور تلحق بالاقليم السنّي في العراق، الموزع بين الرياض وانقرة، ودرعا تحت الوصاية السعودية عبر الاردن بطبيعة الحال. اما حمص فتكون بين يدي «حزب الله».
اليوت ابرامز يصّر على ان تكون اسرائيل هناك. لن تكتفي بمعاهدة سلام مع دمشق. صديقه دنيس روس يعتبر ان الارض السورية مثالية لاقامة الدولة الفلسطينية. اختار تحديدا سهل حوران. هنا المشكلة، دولة مستقلة ام تابعة للبلاط الاردني؟ اكثر تعقيدا بكثير من لعبة « البازل»...
ريتشارد هاس يرى ان تنظيم الدولة الاسلامية ليس حالة عسكرية فحسب، بل حالة ايديولوجية، وحين يحكى عن تحديث النظام في سوريا ودفعه نحو العلمنة، يتساءل ما اذا كان هذا ممكنا على تماس مع انظمة في المنطقة لا تزال في ازمنة غابرة...
استطرادا، وما دامت المنطقة تخضع لمنطق الدومينو (هيرودوت تحدث عن خط الزلازل)، لا بد من تغيير بنيوي على امتداد الخريطة في الشرق الاوسط، اذ كيف لمفاهيم القرن الحادي والعشرين ان تتكيف او ان تتفاعل مع مفاهيم القرون الوسطى؟
لا مشكلة في تسوية تضع حدا للولاية الثالثة للرئيس السوري. هذا منطق الاشياء، ولكن حين يقول الاميركيون والروس بنظام علماني، ماذا يقول العرب والاتراك؟ ديكتاتورية اردوغان ام قبلية اخرين؟
اكثر من ذلك، يسأل ديبلوماسي خليجي، وبمنتهى الواقعية، اذا اتفق الاميركيون والروس على تصفية «داعش» و«النصرة»، وكل المشتقات الاسلامية الاخرى، اي ورقة تبقى لنا في سوريا؟
الديبلوماسي يضيف «ان القيصر يخدعنا. يعطي الاولوية لاجتثاث المعارضة. بالتالي، لا يعود لنا موطىء قدم على الارض. حتى ان رجب طيب اردوغان الذي يقال انه حذر عواصم عربية من «السيناريو الروسي»، قد يجد نفسه خاوي الوفاض بعدما لوحت موسكو بالورقة الكردية. ما المشكلة اذا قامت كردستان السورية؟ هنا المأزق الاستراتيجي، الديبلوماسي والعسكري، للسلطان النيو عثماني...
هذه قراءة من وراء الزجاج للقاء فيينا.كلٌ حمل ازمته على ظهره ويحاول تفكيكها، قبل الازمة السورية التي كانت السبب في الازمات التكتيكية والاستراتيجية، ومن اليمن الى لبنان، مرورا بالعراق، لا بد من تسوية جميع هذه الازمات...
ولكن الا يتحدث الاميركيون والروس عن مفاجأة ما في دولة عربية اخرى او اكثر لان « داعش» يتمدد في الهواء. قد يحدث انفجار يغيّر المشهد. من هنا كان التفاهم بين واشنطن وموسكو: شرق اوسط آخر ليس اميركيا فقط وليس روسيا فقط..
فريد زكريا تحدث عن «ديبلوماسية الافيون». الانتظار لا بد ان يكون طويلا وشاقا. مضحك الحديث عن تغيير وشيك في القيادة السورية. اين رأس ابي بكر البغدادي؟!