في الساعات الماضية حدث تطور مهم ولافت في الميدان السوري تمثل في اغارت الطائرات الامريكية على محطات الكهرباء في مدينة حلب شمال سوريا. وقطع الكهرباء عن المدينة التي لها خصوصية عن باقي مدن الشمال، ليس لانها العاصمة الاقتصادية لسوريا وكان يراد لها ان تدخل الصراع لضرب العصب الاقتصادي للنظام السوري في اطار مخطط اسقاطة، ولعبت تركيا الدور الرئيس في هذا، انما لانها شكلت اهمية استراتيجية لتركيا وحلفائها المحليين والاقليميين كنقطة ارتكاز لفصل الشمال السوري تماما عن باقي سوريا، وجعلها عاصمة الحكومة السورية المؤقتة التي تشكلت في اسطنبول وحاولت ان تاخذ شرعية دولية في معركة شرسة لانتزاع الشرعية القانونية من الحكومة السورية في دمشق.
ولكن لماذا اغارت الطائرات الامريكية على محطات الكهرباء في حلب وهذه الطائرات كانت طوال عام من اعلان التحالف الامريكي ضد تنظيم الدولة تقصف مواقع عسكرية للتنظيم بوتيرة بطيئة دون ان تحدث خللا او تغييرا في تكتيات التنظيم الذي كان يتمدد في ارياف المدن الشمالية فضلا عن سيطرته على مدينة تدمر في عمق الصحراء السورية.
الغارات الامريكية ليلة امس بكل ثقة ليست غارات اعتيادية ولا تشابه مثيلاتها في الشهور الماضية، وتستحق التوقف عندها والبحث في خفايا اهدافها ورسائلها.
قد تقرا تلك الغارات التي طالت محطات كهرباء حلب على انها مجرد استفزاز امريكي لموسكو، هذا ممكن طبعا، ولكنها قد تبدو بشكل اوضح زحفا امريكيا بطيئا باتجاه تغيير قواعد الاشباك في سوريا، فالهجوم الروسي الجوي ومنذ اللحظة الاولى وضع كل الفصائل التي تقاتل الجيش السوري في سلة واحدة وفي دائرة الاستهداف، وهذا استدعى امتعاض واشنطن وسيل من التصريحات الامريكية تؤكد ان الروس لا يستهدفون تنظيم الدولة فقط بل ما تسمية الادارة الامريكية المعارضة المعتدلة ايضا. فهل يختبر الامريكيون الان ردة الفعل الروسية وهم يغيرون على اهداف تشكل بنية تحتية للحكومة السورية حليفة موسكو؟، وهل يرسلون رسالة اليها اننا ايضا قادرون على حرف مسار استهداف تنظيم الدولة لتطال الجيش السوري ومنشات حيوية للنظام السوري؟.
قد نعتبر هذا الاختبار هو الثاني بعد الاختبار الاول الذي تمثل باسقاط الطائرات الامريكية معدات وذخائر عسكرية للفصائل السورية التي تقع بدائرة الاستهداف الروسي. لكنه اختبار واضح وخطير.
حتى كتابة هذه السطور لم يصدر اي ردة فعل من روسيا او الحكومة السورية غير خبر قصير عبر وكالة سانا الرسمية يحدد امكان المحطات الكهربائية المستهدفة من قبل الطائرات الامريكية ويقول ان حلب تغرق بالظلام. ربما لان الغارات الامريكية نفذت قبل ساعات فقط.
ولكن نعتقد ان روسيا سوف تاخذ هذا التطور على محمل الاهتمام ، وهي تتابع بقلق التحركات الامريكية وتحركات الاعبين الاقليمين في الميدان السوري ولهذا اصدرت تحذيرها شديد اللهجة قبل ايام قالت فيه بوضوح ان تسليح الجماعات الارهابية في سوريا باسلحة نوعية لن يمر دون عواقب على الدول التي ستفعل هذا.
من غير المستعبد على الاطلاق ان يكون ظلام ليل حلب فرصة لامريكا او لغيرها واعني هنا الاتراك تحديدا لتمرير انواع جديدة من السلاح الى الفصائل داخل مدينة حلب تحت جنح الظلام. فالمعلومات والمؤشرات تتزايد عن قرب هجوم كبير للجيش السوري وحلفائه وبغطاء روسي لاستعادة حلب.
رغم انني ارجح ان الروس والسوريين عينهم على مدينة ادلب اولا، لاعتبارات كثيرة عسكرية وسياسية.
عندما تقول الادارة الامريكية وقادة الغرب ان بوتين سوف يفشل في سوريا، هذا لا يعني انهم سوف يقفون مكتوفي الايدي بانتظار فشله، انما شرعوا فعلا في عملية افشاله بكل الوسائل الممكنة، لان نجاح الروس سيعني بالضرورة فشل الاخرين، والاهم انه سيثبت وجهة نظر ورؤية روسيا لاي حل قادم في وسوريا.
استهداف محطات الكهرباء في حلب ليس عملا اعتباطيا كما ذكرنا سابقا، وقد لا يكون الاخير في سياق مسار التعقيدات الميدانية والعسكرية التي تشهدها تلك البلاد.
رأي اليوم
عن صحيفة الديار