أعترف أمامكم جميعاً بأني رجل (مغفل) و (غشيم) لا أعرف في السياسة، ولا أفهم في الإعلام أي (حاگة).. إذ يبدو أن أكثر من أربعين عاماً قضيتها في هذين الميدانين قد ذهبت سدى، أو بعبارة أدق، كنت فيها مثل الأطرش في الزفة، وإلاَّ كيف مرَّت في حياتي أمور مهمة، وأحداث خطيرة لم أكن أمنحها من قبل أدنى اهتمام بينما أمنح اهتماماً فائقاً، وأنزف سنوات غالية من عمري لأجل أمور أثبتت الأيام لاحقاً أنها لم تكن ذا جدوى ومنفعة.
لقد كنت أنظر بقدسية مدهشة طوال حياتي لمفردات باهرة، مثل الإنسان، والوطن، والحق، والمبادئ، والصداقة، والقيم، والجمال، والحب، والثقة، والطيبة، والنقاء، والمهنية، كما كنت -ولم أزل- أموت حباً في أي كائن أو قضية، أو عمل يحمل صفة، أو هوية (عراقي) -أي عراقي كان- فتخليت بسبب هذه (العراقية) المبالغ فيها عن منافع، ومواقع مهمة ومربحة ربحاً كبيراً.. دون أن أفكر يوماً بما يخبئه الزمن لي، ولأسرتي، ولم أنظر الى المستقبل نظرة احترازية واحتياطية مناسبة، فأدخر لأجله مالاً، أو عقاراً، أو شغلاً مضموناً، مثلما فعلها غيري!
ولكن-وهذه الـ لكن مهمة- لم أندم يوماً على قناعاتي هذه، ولن أندم قطعاً على (سذاجتي الوطنية) ما حييت، فسأمضي الى مثواي الأخير وأنا مرتاح الضمير، سعيد الخاطر.. أما أولادي، وأفراد أسرتي، فلهم رب يحميهم..
لقد سقت هذه المقدمة التي أجد أنها تصلح إجابة على سؤال تلح به زوجتي، كلما مررت بضائقة مالية شديدة، فتعيد عليَّ ذات السؤال قائلة: لماذا لم تحتسب لمثل هذا اليوم، وتوافق على قناة الجزيرة القطرية، عندما عرض عليك العمل فيها كمراسل في أمريكا قبل عشر سنوات أو أكثر، براتب لا يصدق مبلغه؟
ولأني لم أجب على سؤالها هذا، فقد وجدت الفرصة اليوم مناسبة لأجيبها وأقول: لقد كنت مغفلاً يا عزيزتي!!
والمشكلة أني بقيت أنتقد قناة الجزيرة، والعاملين فيها بأقسى المقالات، وأشرشح (دولة قطر العظمى) بأقذع العبارات، واللعنات، وكأن حكومة قطر الشقيقة هي السبب في ما أنا عليه من إفلاس وعوز وفقر وقهر وكآبة.. أو أن قناة الجزيرة هي سبب كل هذا البلاء الذي يحل بالعراق، وسوريا، وليبيا، والدول العربية الأخرى!
لقد كنت حتى الأسبوع الماضي أعتقد مثل هذا الاعتقاد الخاطئ، فأظن أن حكومة قطر، وحكومة السعودية (المگرودتين)، ومعهما بقايا البعث، هم رأس البلاء، بل البلاء كله، في ما يحصل للعراق من فواجع ومصائب ودم وضحايا، وخراب! كما كنت أظن للأسف أن قناة الجزيرة منحازة ضد الشعب العراقي من الدقيقة الأولى لبثها حتى الدقيقة الأخيرة. والمضحك إني كنت أعتقد أن قناة الجزيرة قناة قطرية (خالصة)، تنفذ مفردات، وسياسة الحكومة القطرية المعادية لنا، لذلك كنت أحقد عليها بشدة، وأعترف بذلك- كما أحقد على فخامة، وضخامة أمير قطر السابق حفظه الله ورعاه، وعلى السيدة (موزة) سترها الله، وعلى الغاز القطري الوفير (أدامه الله لقطر)، وعلى فيصل القاسم، أعزه الله، وعلى أحمد منصور، أسعده الله، وعلى المذيع اللادني – نسبة الى صديقه أسامة بن لادن – تيسير علواني، وبالمناسبة فإن تيسير علواني ليس من عائلة أحمد العلواني (فك الله أسره)!!
نعم.. هكذا كنت أعتقد فيما مضى، حتى زيارة وزير الخارجية القطري السيد خالد بن محمد العطية الى بغداد في الأسبوع الماضي، ليصحح لي الرجل ما كنت أعتقد به من خطأ فادح، فقد أعلن معاليه في مؤتمر صحفي، أن قناة الجزيرة الفضائية لا تمثل حكومة قطر، ولا سياستها، إنما هي قناة محايدة تماماً، كما أكد معاليه أن قطر بريئة من أي أتهام يوجه لها بالتدخل في شؤون الدول الأخرى، او بدعم وإسناد الإرهاب. أما تدخلها العسكري مع السعودية في اليمن مؤخراً - كما يقول السيد الوزير- فهو ليس تدخلاً في شؤون دولة أخرى، إنما هو دعم لشعب عربي شقيق!!
ولعل القضية الأهم أن الوزير القطري شكا من الاتهامات التي توجه ظلماً لبلاده المسكينة، بما فيها الاتهامات الرياضية، ملمحاً بشكواه هذه الى الاتهام الظالم لقطر برشاوى كانت قد دفعتها لمافيات الفيفا للتصويت لصالح الدوحة في كسب معركة استضافة كأس العالم 2022 ..بينما الحقيقة أن التصويت لصالح الدوحة قد جاء لقناعة الفيفا بأن قطر أصلح وأجدر من أمريكا باستضافة البطولة من ناحية الإمكانات البشرية، والفنية، وتوفر البنى التحتية من ملاعب وتقنيات، وغيرها، لاسيما وأن الطقس في الدوحة جميل جداً في شهر حزيران وتموز، فلا رطوبة ولا بوخة ولا (صخام)!
لذلك فقد بات الأمر عندي واضحاً تماماً في موضوع (حرص الدوحة على وحدة، وامن واستقرار العراق)!
وبات مؤكداً حول مهنية (الجزيرة)، وحيادية الوديعين فيصل القاسم، واحمد منصور، حتى أقتنعت أن الجزيرة قناة سريلانكية، وليست قطرية!!
شفتوا شلون چنت آني غشيم ومغفل، لأن ما اشتغلت بهاي القناة الحبابة قبل أكثر من عشر سنوات.. وظليت فگر، بحيث هسه أتوسل بهذا وذاك على اعلان للجريدة، لو على مقابلة مدفوعة الثمن، وكل راس شهر يوگف أبو المولدة بالباب ويصيح: عمي تدفعون الحساب لو نگطع الكهرباء .