إذا تحاور المؤمن مع الملحد حول نشوء هذا الكون، أو ببساطة عندما يحاول كل منهما الإجابة على السؤال من أين جئنا وجاء هذا الكون غالبا ما ينتهيان إلى الاختلاف حول نقطة البداية. فعند الملحد المادة هي أصل الكون، فإذا سأله المؤمن فمن خلق المادة سيقول لا أحد، وعلي الجانب الأخر، يعتقد المؤمن أن الله هو خالق الكون، فإذا سأله الملحد فمن خلق الله؟ سيرد لا أحد. إذا فالطرفين يرى أن للكون نقطة بداية لا شيء قبلها ولم يخلقها أو يصنعها شيء.
أنها نقطة بداية لا يستطيع احد الطرفين إثباتها بطريقة علمية تجريبية لا شك فيها ولا ريب. فالملحد إنما يتبع ما يعتقده نظريات صحيحة والمؤمن يتبع ما اطمئن له قلبه انه الحق. فالموقفان إذا يصدران عن منهج تفكير واحد لذلك ينتهيان إلى نتيجة واحدة حتى وان اختلفت في الاسم، فكلاهما يتفق على وجود نقطة بداية يسميها الملحد المادة ويسميها المؤمن الخالق. وهو ما أدى لظهور اللاأدريين Agnostics الذين يرون أن في كلا الموقفين دوجما تنبع من موقف غير علمي، حيث لا يمكن إثبات أو نفى أي البدايتين هي الصحيحة فالأمر كله يقوم على الإيمان القلبي وليس البرهان العقلي. فكان موقف اللاادريين هو التوقف عن إجابة السؤال “من أين يبدأ العالم؟” وبالتالي لا ينشغلون بهذه المعارك التي تضيع المجهود والوقت وربما الأرواح.
وقد شهدنا منذ 25 يناير ومع ارتفاع سقف الحرية في مصر، معارك شرسة لا تنقطع بين المؤمنين والملحدين في وسائل الإعلام التقليدية والبديلة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ونقاشات لا تنتهي في الندوات والصالونات الثقافية للإجابة على السؤال حتى تحول الأمر إلى شبه ملهاة، ولو كنت أصدق في نظرية المؤامرة لقلت أن هناك مؤامرة لإشغال الشباب بأمر السماء حتى لا ينشغلوا بأمر الأرض.
فالإنسان الذي يسير ناظراً للسماء وليس للأرض التي يسير عليها غالباً ما سيرتطم بعمود نور أو شجرة أو سيقع في بالوعة أو حفرة. هذا هو الأمر ببساطة. لقد أصبحنا مستغرقين بشدة وعلى كافة المستويات بأمر السماء وبما وراء الطبيعة، نحاول الإجابة على أسئلة ليس لها إجابة قاطعة ولن يكون لها. هذه الأمور لم ولن تحسم، يدور حولها الجدل منذ تشكل وعى الإنسان وبدأ ينظر للكون حوله محاولاً إيجاد إجابات لظواهر وأحداث لم يكن عقله وعلمه في ذلك الوقت قادر على تفسيرها، وليس من المتوقع الإجابة عليها قريبا إلا أن تحدث قفزة علمية كبيرة تستطيع اختراق حُجب الكون.
وإلى أن يحدث ذلك فلنترك أمر السماء للسماء، وليعتقد كل منا ما يشاء، وليكن الحوار حول نقطة البداية حواراً ثانوياً لممارسة بعض الجدل عند محبي الجدل، وليكن انشغالنا بأمر الأرض وسكان الأرض، نحاول حل مشاكلنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية والعلمية. لننظر إلى الأرض حتى لا نقع في بالوعة لا نخرج منها أبداً.