طالعتنا منذ فترة حادثة هى الأعنف لكنها لن تكون الأخيرة بكل تأكيد، قتل أربعة مواطنين مصريين، و سحلهم عرايا فى الشارع لكونهم مسلمين شيعة، لن نخوض فى اللغو العقيدى الخاص بالشيعة و السنة و اتهامات كلا الفريقين للآخر، لكن لنفكك الموضوع بهدوء إلى أوليات، المجنى عليهم مسلمين أولاً و شيعة ثانياً كون التشيع مذهب بالأساس شأنه شأن ما يعرف بإسم مذهب أهل السنة، و كلاهما ينضويان تحت منظومة واحدة تعرف بالدين الإسلامي، الجريمة بشعة و غير إنسانية بلا شك، لكن – بحق الله – دعونا من خطابات أن هؤلاء لا يمثلوا الإسلام أو أن الإسلام برىء منهم الخ، لأننا لا نجد غيرهم فاعلين على الساحه فسيظلون هم ممثلين للإسلام بشكل أو بآخر حتى يظهر مناوئيهم بشكل أكثر وضوحاً و قوة – و ليس عنفاً – على الساحه هم أيضاً .
هذه الجريمة لا تكفى حتى يتحسس البهائيون و المسيحيون رؤوسهم بل عليهم أن يقوموا بإعداد توابيتهم أو أسحلتهم أيهما أقرب من الآن !
و ربما دعى داعِ أننا نحرض على ” الفتنة ” و هو مصطلح مطاط تماماً و من نتاجات الصراع الهاشمى \ الأموى بالمناسبة فهو قديم قدم التاريخ الإسلامى نفسه، فى أزمنة كانت تؤخذ فيها ” البيعة ” للخلفاء على المنابر فى المساجد و الشوارع على أسنة الرماح و أنصال السيوف، و من له أذنان للسمع فليسمع خطباء الجمعة و من له عينان للقراءة فليقرأ التاريخ .
الصراع السياسي متجذر بعمق فى التاريخ الإسلامي، منذ قميص عثمان الذى أريقت الكثير من الدماء مطالبة بثأره و حتى تحكيم على بن أبى طالب و معاوية بن أبى سفيان الذى تضمن خدعة عمرو بن العاص الشهيرة .
و السؤال الأكثر جوهرية و أهمية الآن لكل من يرفض هذه الجرائم التى تصنف ضمن جرائم التطهير العرقى و التى سرعان ما ستتحول إلى إبادة جماعية شئتم أم أبيتم ، أيها السادة المدافعون و المبررون و أصحاب الكلمات الناصعة و البراقة، ان كنتم جادين فيما تقولون فدافعوا عن قيمكم ” الدينية ” السمحة بقوة و بوضوح، يجب التفتيش فى عقليات السلفيين و أشباههم بمكبر مجهرى، من أين تأتيهم هذه الأفكار و كيف تتجسد هذه الجرائم حقيقة واقعة ؟ يسبقها بسنوات حرق قرية كاملة لمجموعة من البهائيين- حادثة الشورانية – ، و قبلها و بعدها بسنوات و سنوات مئات المسيحين المقتولين غدراً و غيلة لا لشىء سوى لكونهم مسيحين- ( الكشح- ديروط- الزاوية الحمراء- الخصوص- احداث الكاتدرائية- الخ ) ، المسألة لا تتعلق فقط بمجموعة من المتعصبين المتعطشين للسلخ و القتل و الجلد و قطع الرؤوس و الأيدى بقدر ما تتعلق بمنظومة فكرية كاملة شيدت فى عصور طويلة على مدى ألف و أربعمائة سنة تقريباً هى عمر التاريخ الإسلامى، فلا يمكن أن تكون كل تصرفات هؤلاء من اللامكان ، لاشك أنهم يستندون لقاعدة فقهية / فكرية / دينية / عقيدية ، منظومة الفقه الإسلامى ككل بحاجة لغربلة عميقة و قوية و واضحة تبتعد عن المداهنة و التملق و أنصاف الحلول، بادىء ذى بدء يجب الإعتراف و بدون مواربة أو خجل بأن هذا الفقه مليىء بأفكار و تخرصات القرون الوسطى و ما قبلها من عصور ظلامية قد يكون مفهوما و ربما ” مقبولاً ” سياقها فى عصورها لكنها قطعاً لا تصلح لأمة على أعتاب القرن الثانى و العشرين ، هذا الفقه الذى هو نتاج بشرى كامل أنتج فى عصور كان العالم المعروف فيها جغرافياهو نصف و ربما أقل ما نعرفه حالياً تقريباً ،فى أزمنة كان الكلام فيها للسيوف و الكر و الفر و الرؤوس المتطايرة و الدماء الكثيفة، حلم / وهم الخلافة هو المحرك الأساسى لهؤلاء ، سيادة العالم هى أملهم الوحيد .
كيف يرون هذه السيادة ؟ بالمزيد من القتل و الدماء فلربما ارتفع خليفتهم بعرشه على ملايين الجماجم و العظام المفتتة.
السادة الرافضون و الشاجبون و المستنكرون و المتأففون و الممتعضون، تعاطفكم وحده لا يكفى، فقد كان ابن العاص متعاطفاً مع على ابن أبى طالب كونه من بيت النبى محمد لكن هذا لم يمنعه من خيانته و الوقوف بجوار الكفة الأرجح وقتها و هو معاوية بن أبى سفيان، النوايا الطيبة وحدها – مهما كانت صادقة – لا تكفى لحل المشاكل العميقة و المتجذرة كمشكلة مفاهيم ( الجهاد، الآخر، الخ ) فى الفقه الإسلامى .
طالبوا بدراسة و تنقيح هذا التراث الإستعمارى الطويل، طالبوا بتنقيه تاريخكم ان كنتم صادقين، تصالحوا مع أخطاءه و كوارثه أولاً و من ثم ابدأو فى تجاوزها و اصلاحها تماماً كما تعامل الأوروربيون مع تراث طويل من التخلف و البربرية و قتل و حرق الأبرياء و المفكرين و الفلاسفة، التاريخ لن يرحمكم لا الأن و لا فيما بعد، كفوا عن تقديس هذا التاريخ الذى لا تعرفون عنه سوى الملقن فى كتب المطالعة و التاريخ، كفوا عن الكذب على أنفسكم قبل الآخرين، لا يوجد تاريخ طوباوى بهذا الشكل الفج، كما أن الملائكة لا تعيش على الأرض .
يهوذا امتلك من الضمير ما يكفى لكى ينتحر حين خان معلمه بثلاثين من الفضة ، فهل ستنام أعينكم بهدوء حين تعودون إلى بيوتكم كل ليلة و أنتم مدركون أنكم بهذا الصمت و اختيار الطريق الأسهل و هو الشجب و الإدانة تساهمون فى قتل و سحل المزيد و المزيد من الأبرياء الذين شاءت لهم أقدارهم التعسة أنكم تشاركونهم نفس الوطن