ليست المرة الأولى التي يتم الدعوة فيها لمظاهرة لتعلن فيه سيدات مصر خلع الحجاب، وفي كل مرة كانت تفشل الدعوة ولا تحدث المظاهرة، فالشخصية المصرية بطبيعتها شخصية غير صدامية وتفضل العمل في هدوء وتنفيذ ما تراه صواب دون ضجيج.
وكل متابع للشارع المصري لاحظ ارتفاع وتيرة خلع الحجاب بين المصريات وعدم ارتداء الحجاب بنسبة كبيرة للبنات الصاعدات اللاتي يصلن لسن ارتداء الحجاب وفقا للمعايير المصرية.
بل حتى من ترتدي الحجاب فهي ترتديه وفقا لمعاييرها الخاصة دون التزام بالمعايير الفقهية التي تضع 7 أو 8 شروط حتى يصبح حجاب شرعي وهو ما يجعل نسبة ارتداء المصريات للحجاب مسألة فيها نظر. فوفقاً للمعيار المصري للحجاب وهو تغطية الشعر تصل نسبة المحجبات إلى 80% من المسلمات ولكن وفقا للمعايير الفقهية تهبط هذه النسبة إلى 10% من المسلمات.
هذا من الناحية الفقهية، أما من الناحية الليبرالية وهو معيار الحرية الشخصية وقرار الفتاة النابع من داخلها وقناعتها الشخصية بالمذهب الفقهي الذي يقول أن المرأة عورة فيما عدا الوجه والكفين فستنخفض نسبة المحجبات إلى 5%. والفتاة المقتنعة أن الحجاب فريضة هي الفتاة التي إذا سألتها لماذا ترتدين الحجاب؟ أجابت لأنه فرض. فإذا سألتها ما دليلك أنه فرض؟ سردت الأدلة على فرضيته، أما إذا قالت الشيخ بيقول انه فرض، فأعلم أنها بلا عقل تتبع كل ناعق. لذلك كل من يعيش في مصر يعرف أن 95% من المحجبات المصريات هن تابعات بدون عقل أو مكرهات على ارتداء الحجاب بفعل القهر الأسري أو المجتمعي.
لذلك استغرب ممن يهاجمون الداعيين للتظاهرة ضد الحجاب باعتبارهم ضد الحرية الشخصية!!!
كان يمكن أن أتفهم هذا الهجوم لو كان على أرضية دينية فقهية متعصبة فأهل الفقه في العصر الحديث لا يعرفون الاختلاف الفقهي فضلا عن الاختلاف في الرأي أو الحريات الشخصية، فقوم يؤمنون بوجوب تغيير المنكر باليد وهذا المنكر ليس السرقة أو العدوان ولكن مسائل شخصية مثل الملابس والطعام والشراب والفن والثقافة لا يمكن أن يؤمنوا بالحريات الشخصية. أما أن يتم مهاجمة الدعوة لخلع الحجاب على أرضية ليبرالية فهذا دليل أخر على ضبابية المفاهيم في عقول المصريين.
فالدعوة لمظاهرة مناهضة لظاهرة اجتماعية تفرض على المرأة المصرية فرضاً في المدرسة بما يمارسه المدرسين والمدرسات من اضطهاد ضد أي فتاة غير محجبة، والأسرة عندما تتحول حياة الفتاة إلى جحيم بسبب الأب أو الأخ أو الزوج لأنها لا ترتدي الحجاب، وفي المجتمع الذي ينظر لغير المحجبة باعتبارها بلا أخلاق ومتاحة للتحرش والاغتصاب، وفي الوظائف التي تشترط ارتداء الحجاب وهو شرط عنصري، هي في الحقيقة مظاهرة مناهضة للقهر والاستبداد ودفاعاً عن حرية المرأة في ارتداء ما تشاء. بدون حجاب
وهى مظاهرة تدعو من ترتدي الحجاب قهراً أن تخلعه وتعلن تحررها من قيود مجتمعية تساهم في تخلفنا، وليس إكراهاً لأي فتاة على خلع الحجاب إذا كانت مقتنعة بالمذهب الفقهي الذي يقول أنه فرض. هذه دعوة لا تُكره أحد على فعل شيء لا يريد أن يفعله..
فكيف يقول من يقول أنها ضد الحريات الشخصية وضد الليبرالية؟
هل من حق من يرون أن الحجاب فريضة أن يروجوا له، ولكن ليس من حق من يرون أنه ليس فريضة أن يروجوا لمذهبهم؟
من هنا الذي يمارس الاستبداد؟ هل سمعتم عن مدرس أو مدرسة ليبراليين اجبروا تلميذة على خلع الحاجب أو قصوا لها شعرها لأنها محجبة؟
المظاهرة هي دعوة للتحرر من قهر المجتمع والكهنوت الديني الذي يفرض علينا رؤيته الفقهية وتفسيراته للنص الديني ولا يترك لنا حرية التفكير وإعمال العقل في النص بل حتى لا يترك لنا حرية الاختيار بين المذاهب الإسلامية المختلفة.
المظاهرة هي دعوة لمنح المرأة المصرية حرية الاختيار وليس إجبارها على اختيار معين، منح المرأة حريتها في أبسط أمورها وهو حقها في ارتداء ما يناسبها من الملابس التي تتناسب مع ظروف عملها وبيئتها ودخلها المادي.
هي دعوة للحرية وليس لكبت الحرية.