في حديث غير مسبوق قال الملك عبدالله بن الحسين مالم يقله غيره من الزعماء والقادة وهذه والله صفة عظيمة أحبها وأحترمها لمن يريد الحياة ولمن يحب شعبه ومجتمعه ، حديث الملك عن الواقع العربي حديث ذو شجون فيه وصف وذكر حال عن الرجال وعن النساء عن الشيوخ وعن الأحزاب عن المنظمات وعن الأفراد ، كان حديثاً رائعاً شدني إليه أستمتعت به ووجدته مختلفا ومغايرا عن غيره من الأحاديث من كل وجه ، وجدت فيه صراحة الكبار و صدق الرجال المؤمنيين بالحق الواحد الغير مجزء .
الملك لم يصف شيئاً أو حالةً إلاّ من واقعه ولم يقل كلاماً من وحي الخيال ، كلامه كلام الشارع العربي والإنسان العربي الذي ضاق ذرعاً بهذا الواقع المرير بما فيه ، وحديثه إلى المجلة الأمريكية حديث ماتعودناه من زعماء العرب المخاتلين لكننا وجدنا بعض منه أو شبيه له مع الراحل السادات حينما قلبنا دفاتر التاريخ ، والعجب وموجة الإستنكار من الأحزاب الدينية شيء نحسبه له لا عليه ، لأن الكلام الذي قاله كان في صلب الواقع النفسي والشخصي للإنسان العربي .
فهو حينما تحدث عن محمد مرسي الرئيس أشار إلى صفة التهريج وكثرة الكلام الممجوج فيه ، قال - إنه بلا عمق - وهذا واقع صرف هو قول المصريين كل يوم ، قولهم عنه : إنه مهرج لا يحسن فن الكلام الموجه الصحيح ، وقولهم إنه : لايمتلك الرؤية التي تجعله مؤهلاً لقيادة مصر بكل ثقلها وعمقها وتاريخها ، هو رجل إذن جاءت به الأقدار على حين غفلة من الزمن ، جاءت به حين غاب الوعي عن الشعب وهو يدلي بصوته بين الرمضاء والنار ، وكانت صدمت الشعب واضحة في التبدل الدرماتيكي الذي طرء في بنية النظام والدولة في مصر ، فهو لم يكن عميقاً لكي يستحق تضحيات هذا الشعب الذي كان يرغب ويأمل بأن يكون القدوة والأسوة في مجال الحريات والديمقراطية في المنطقة العربية ، ففقدت مصر معه بريقها والأمل الذي عُقد عليها فتلاشت ثورتها وذهبت مع الريح ، إقتصادها فاشل منهك وسياستها بلا عنوان وجيشها عبارة عن - عسكر وحراميه - وقضائها الذي كان غدى ركيكاً معطلاً وشعبها في غالبه عاطل عن العمل ، والنتوءآت المنتشرة والتي تثير الفزع بين السكان نجدها في كل منطقة وبلدة ونساء مصر تتخلف حالتها المدنية والشخصية وتفرض عليها قيود ما أنزل الله بها من سلطان ، والأمم المتحدة تقول : إن مصر ستشهد الكثير من التردي والكثير من التخلف والكثير من الإنهزاميه .
عبدالله الملك إذن أشار واصفاً حال مصر وهو يرى حاضرها فكيف سيكون مستقبلها في ظل هذا الحاكم الذي لا يمتلك الأدوات التي تجعله قادراً بالفعل في بناء مصر ونهضتها ، والعمق المفقود الذي أشار إليه الملك هو هذا الحال وهذا الواقع ، كما إنه قول يفيد ويدل على : إن إستقدام تجربة التاريخ في حكم الدول مظنة غير مفيدة بل هي تضييع للوقت وهدر للطاقة في غير محلها .
وعبدالله الملك حين قال عن أردوكان : إنه يخلط بين الديمقراطية والمنفعة كمن يخلط بين الخير والشر ، فالديمقراطية عند أردوكان شعار للتعبئة من أجل الوصول إلى السلطة بكل الوسائل والأدوات ، وعند الوصول إليها يتم تحويل المسار الديمقراطي ليكون له ولجماعته خاصةً ، هي إذن وسيلة وباص للركوب وليست هدفاً مستقلاً يسعى إليه ليجعله برنامج حياة وعمل ، وهذا التوجه يمكننا ملاحظتة في المحاولات التي قام بها من أجل تغيير الدستور ليصب في مصلحته ومصلحة حزبه ، أردوكان إذن هو رجل مُخادع مُخاتل والسياسة عنده تجارة والديمقراطية وسيلة تنقله لكرسي الحكم هذا اردوكان الذي تُغرم به الحكام العرب معتبرينه المثل والقدوة الحسنة ، هذا الشخص النفعي الدجال تمهد لقيادته مشايخ الدين العرب لكي يعيد فيهم حكم السلطنه وملوك بني عثمان .
وأما بشار الأسد الغني عن التعريف فهو رجل قروي ساذج كما يقول الملك ، والذي تقوده مخابراته إلى حيث مزبلة التاريخ ، هذا الساذج قد ورث عن أبيه الحكم من غير مؤهل ولادليل ، وكلنا يعرف كيف لوى مجلس شعبهم القانون ليكون بشار حاكماً ، واليوم ينافح هذا المعتوه ضد شعبه في تصميم لتخريب سوريا وماتبقى منها ، يرآهن هذا مع مخابراته على تدمير النفس السوريه والروح السورية ، ولا أدري متى يرحل من هذا البلد الذي تمزق وأندثرت معالمه و الكثير من قيمه الإنسانية النبيلة ، الملك إذن ينبه العرب ليكونوا صرحاء مع أنفسهم وينزعوا ثوب الكذب والدجل والتزييف ، فالسياسة ليست كذباً ونفاقاً بل هي عمل وتضحية وبناء ، وليست هي أوهام ووعود ولعب في الأعصاب والمصائر بل هي روح خلاقة وضمير حي .
وأما كلام الملك عن الأخوان فهو كلام في الصميم ووصف صادق غير منحاز وغير متجانف لفئة ، الأخوان منظمة لا تعمل لصالح الشعوب العربية والإسلامية هذا هو واقع الحال وليس لها من أسمها أي نصيب ، هم فئة إنتهازية تتحرك وفق أجندات خارجية خاصة ترسم من وراء الحدود ، وفي ذلك الوصف نحن مع الملك دائماً ومعه حين يقول الحق فيهم وفي غيرهم من غير موآربه ، لأن في التنبيه على الخطر إستدراك وسلامة للأوطان والأبدان والأعراض ، هو تحفيز للعقل العربي ليخرج من دائرة الصمت والسكوت ويعلن ماله وماعليه بشفافية وصدق ووضوح ، وهذا المنهج في التعاطي مع القضايا يُعلمهُ كيف يقول الحق من غير تردد .
والملك حين وصف حال الإنتخابات في الأردن كان يريد توجيه الشباب والشابات للتعلم الصحيح والتثقيف الصحيح ، هو يقول لهم : إن الديمقراطية منهاج عمل وثقافة مستقلة وهي ليست إختيارات ذوي القربى من غير حق ، بل هي إختيارات للبرامج والخطط وماينفع الناس و ما يعزز من هيبة وقيمة الوطن ، وفي ذلك إنما يريد لشعب المملكة أن يدخلوا التاريخ والعالم الجديد محصنيين بالوعي وبالثقافة وبالإرادة ، إرادة الرفض والقبول حسب مبدأ الصواب والخطأ وليس حسب الخصوصيات والقرابات المحلية الضيقة ، وفي ذلك يتعالى الملك عبدالله في نزوعه الديمقراطي ليكون حقاً رجل المرحلة التي من أجلها لابد أن يحترمه الجميع ويحبه الجميع لوضوحه وصدقه مع نفسه ومع شعبه ..