في الحقيقة كان هذا ليس مقالاً إنما هو جواب لأسئلة وردت إلينا من إخوة أعزاء ، يسألون فيها عن الطبيعة وعن الماهية وعن القوة التي تمتلكها - الليبرالية الديمقراطية - في مواجهة التحديات وفي صُنع الحياة ،
ومقتضى الحال يجعلنا مقررين و شارحين في الوقت عينه لموضوعة - الليبرالية الديمقراطية – ولصفتها التي تتسم بها وتفترق فيها عن سواها من النظريات والأفكار التي عاشها الإنسان في الماضي و سيعيشها في المستقبل .
وكما قلنا في السابق : إنه ليس ثمة نظرية في كل الظروف قادرة على حماية الإنسان والدفاع عنه وعن حقوقه غير - الليبرالية الديمقراطية – ، فهي التي ستوفر له الأمان بكل شقوقه ومعانيه النفسية والمعرفية والفكرية ، في الليبرالية الديمقراطية لايصح القول إنها نظرية ناقصة أو تحتاج لمن يُكملها ، كما لم نقل يوماً ذلك بل دائماً نقول : إنها أكمل النظريات وأتمها وأكثرها قدرة في التعاطي مع كل حاجات الإنسان ، ومن يُقل إنها نظرية ناقصة فإنما ينطلق من فكرة مسبقة وفهم خاطئ تعوزه الدقة المعرفية والدقة التاريخية ، ولنا في تطور العقل الإنساني حجة ودليل ، وكما إنه مر بمراحل تطور فيها ونما كذلك هي - الليبرالية الديمقراطية – توئم العقل تطورت بتطوره وتطور أدواته المعرفية وتطور آليات إنتاجه الفكري .
وحين نستعرض تاريخ الدين مثلاً تصادفنا عملية التطور المرهونه بتطور وسائل الإنتاج المعرفي والفكري يجري هذا في السيرورة الدينية من زمن نوح وإلى محمد - ص - ، فالتتابع في فكرة الدين الواحد وتطورها على مستوى التشريع والعقيدة إنما يجري وفق هذا السياق الذي قلناه ، كما إن التتابع في حركة النبوات والرسالات إنما جاء في سياق هذا الغرض ، وفي ذلك لا يصح القول مطلقاً : إنما كان ذلك دليل على النقص أو دال عليه ، بل هو تطور موضوعي مرتبط بتطور المعرفة لدى الإنسان ، نفهم هذا من خلال جدلية خطاب النص نفسه حين تحول هذا النص من المنطق التجريبي في الخطاب إلى المنطق الحسي ، وهذا التحول لم يأت صدفة بل جاء وفق سياقات طبيعية محددة ومرتبطة بتطور عقل الإنسان ..
والقول نفسه يصح مقاربته في - الليبرالية الديمقراطية - تدل على ذلك تقريرات ومباحث الآباء المؤسسيين - لليبرالية الديمقراطية - ، التي تتحدث عن هذا بشكل جلي ، نرى هذا في فكر هوبز عن معنى ومفهوم تطور المعلومة لدى الإنسان ، ونلحظها عند روسو كحركة فكر من أجل بناء مجتمع مدني متسالم قائم على أساس العقد والتعاقد ، أي إن المذهب - الليبرالي الديمقراطي - في الفكر الإنساني هو هذه الصيرورة التاريخية التي ترتبط جدلاً بالصيرورة الإجتماعية والتي هي منها لا تنفصل عنها ، تعبر عن قضاياها وحاجاتها وهمومها وتطلعاتها ، ولا تستبق أحداثها وموضوعاتها إلاّ من حيث القراءة في علم المستقبلات كما يرى فوكوياما ، وهي نفس القراءة التي أشار إليها آدم سميث في ملاحظاته عن جمهورية أفلاطون ، وهو نفسه الذي عناه و تحدث عنه فلاسفة معاصرين في الربط بين التطور ومفهوم - الليبرالية الديمقراطية - ، إذن فالتلازم الذي نتبناه بين الليبرالية والديمقراطية هو - تلازم وجود وعدم - إذ لا يصح الواحد منهما من دون الآخر ، والذي يسميه - الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي - بمفهوم الترابط بين الوجود والماهية والطبيعة لكل منهما ، أي هما واحد لايتجزئان ولا ينفصلان ..
وهذه الملاحظة جئنا بها في سياق معرفتنا في التاريخ الديني والطبيعي ، اللذين نجد فيهما هذا التطور ، لكن طبيعة إستقراء المعرفة تجعل من التنويه بالمصطلح كظاهرة إنما يأتي دائماً منسجما ومرتبطا بالضرورة وبالحاجة ، هذه الضرورة وهذه الحاجة هي التي تجعل من الحكم هذا أو الرأي هذا يصح في مرحلة ولا يصح في مرحلة أخرى ، طبعاً هنا أشير بشكل محدد إلى الجانب القانوني والتشريعي ، و تنبري - الليبرالية الديمقراطية – هنا لتؤكد هذه الحالة في صفة الموضوع وفي صفة الحكم ، و حينما نركز في مباحثنا على - الليبرالية الديمقراطية - وننوه إلى عدم جواز الفصل بينهما ، فإننا نريد من ذلك جعل الربط بينهما ربط مفهوم وربط مصداق في اللغة وفي الإصطلاح ، وفي ذلك إنما نشير إلى واقع موضوعي وليس واقع إفتراضي ، وهذا ليس من باب النقص كما توهم الأخوة الأعزاء ، وحسب أهل التأويل فإن كثرة الأنبياء والرسل ليس دليل نقص في الدين بل هو تكامل وإتمام .
كذلك هي - الليبرالية الديمقراطية – يجب النظر إليها كوحدة واحدة سواء حين تدافع عن الحرية أو حين تطلب العدالة أو حين تتمسك بالسلام ، فهي في كل ذلك إنما تعبر عن عقل الإنسان وعن طموحه وعن حياته وعن حلمه في بناء قواعد صحيحة لحياته ، و كما إن الدين خاطب عقل الإنسان ودعاه ليعمل الخير ، فكذلك هي - الليبرالية الديمقراطية - تخاطب عقل الإنسان وتدعوه لفعل الخير ونبذ الشر ، تذكره وتنبهه وتستدعيه ليكون حاضراً وغير بعيد ، تخاطبه ليشاركها العمل والإنتاج ، تجعله قادرا على تحدي المشكلات ومواجهة الصعاب لأنها تؤمن له معنى الحياة الحرة الكريمة ، ترفع عنه إصره والأغلال ، تهذب سلوكه وتجعله عدوا للظلم وللفساد وللجريمة ، هي هذه لمن أرادها وسعى لها سعيها ، من غير عُقد أو خوف ...