الاقتتال الداخلي يعصف بالوطن العربي .. لبنان تشتعل من جديد , وفلسطين مشتعلة منذ زمن .. الضفة والقطاع يتعاملان كأعداء .. والشيعة في السعودية ” بدون ” فهم محرومين من أخذ الجنسية – رغم انهم مسلمون بشهادة كافة المؤسسات الاسلامية الكبرى مثل الازهر والزيتونة – .
وليبيا انقسمت الى ثلاثة أقاليم , والثورة في سوريا عرقية أكثر منها وطنية . ومصر منشطرة بين ما هو ديني وما هو مدني .. ومن الكوميديا السوداء أن إمام المسجد المجاور لي في الجمعة الماضية كان يحكي عن قصة ” إسلام علماني ” .. وقال مر رجل علماني على رجل مسلم وهو يصلي .. الخ
لماذا يتناسى البعض أن محمد رسول الله أول ما فعله حين هاجر الى المدينة أن جلس مع الكل ليوحد الصفوف ويساوي بين البشر في وثيقة واحدة .. يجمع بين دينين هما المسيحية واليهودية .. بين قبيلتين الاوس والخزرج .. بين مهاجرين وافدين ورعايا متوطنين .. وكان الميثاق الجامع ” أمة من الناس ” .. وكان الهدف التناصر على الخير والاستنفار لدفع الفاجر .
لفت انتباهي شيء غريب وانا اتابع كل رسومات ” الحجاب قبل الحساب ” التي تخصص الاخوان المسلمون في نشرها منذ تسعينيات القرن الماضي على حوائط الشوارع , وهو أن المرشد الاول حسن البنا رغم انه كان يعيش في مجتمع الثلاثينات والاربعينات والذي لم يكن يعرف الحجاب مطلقا إلا أنه لم يخصص كتابا ولا خطبا ولا جهدا ليحث النساء على الحجاب .. لم يضيع الوقت في هذا الشأن رغم وجود داع له وقتها .. بينما أتباعه جعلوا من الحجاب رسالة كبرى يسعون بها بين الناس رغم انه تقريبا 98% من المصريات محجبات.
لن أخوض في المسألة .. لا يهمني كثيرا ان كانت المرأة محجبة أم لا , أنا مهتم أكثر بكلمة أعمق اسمها ” الاحتشام ” سواء في الهيئة أو السلوك أو العقل .. أحب المرأة التي لا تبدي مفاتنها – وان كانت أنيقة – والتي تمتلك سلوكا مهذبا وجادا – وان كانت خفيفة الظل – والتي تمتلك بعض الذكاء وتجيد الاتقان .. سواء اتقان العمل أو اتقان الطهو أو اتقان التعلم .. هذا أهم بكثير من فكرة غطاء الرأس .
ولكن تخبط الجماعة بين ما هو سياسي وما هو دعوي جعل تصرفاتهم مضطربة .. فلو أنت جماعة دينية فمن حقك ان تلجأ الى هذا , ولكنك لو تمارس السياسة فليس من حقك ان تتحدث عن ازياء النساء , هناك ما هو اهم .. بالمناسبة في مطلع التسعينات حينما كانت الجماعة مشغولة في غزوات الحجاب كانت مصر على حافة الافلاس ؛ وكانت حرب الخليج الثانية هي المنقذ , فكان ثمن مساندة مصر لقوات التحالف الدولي للهجوم على العراق أن تحصل على مزايا مالية تقترب من مئة مليار دولار على هيئة اسقاط ديون ومنح وقروض ميسرة وغيره .
ليس موضوع الحجاب هو الاصل انما هو ظاهرة كاشفة لما هو اعمق .. حينما يتخاذل البعض عن قضايا الوطن الحقيقية من قهر وفقر وتخلف , فإنه يبحث عن قضايا بديلة يتبناها ليبدو بطلا مغوارا في ساحة حرب مزيفة , ويجب أن تتعلق القضية بشيء تستطيع من خلاله اقناع الناس انك تتمسك بالفضيلة وتدافع عن الدين , طبعا انت لا تفعل سوى الهاء الناس عن قضايا أهم والهاءهم عن تخاذلك انت عن تلك القضايا المهمة , فلا يربط الناس بين تدهور مستوى المستشفيات مثلا أو المدارس أو قذارة الشوارع وبين تطبيق الاسلام , انما لو رأوا فتاة حاسرة لرأسها يعتبرون أن في هذا انتهاك لأحكام الاسلام .
تلك الطريقة عرفتها كل النظم الاستبدادية الظالمة من ذي قبل .. ابتداء من الدولة الأموية التي رحبت كثيرا بالفقهاء وأغدقت عليهم ولكنها قتلت الثوار ولاحقتهم .. حتى لو كانوا فقهاء .. البعض يروي تاريخ الدولة الاموية ولا يريد أن يذكرنا أن الحسين ثار عليها وكذا عبد الله بن الزبير وسعيد بن جبير وعبد الرحمن الاشعث ومحمد النفس الزكية والامام زيد .
زي النساء من إدناء أو ضرب بالخمر وعدم إبداء الزينة ” إلا ما ظهر منها ” ورد في القرآن مرتان في اشارات خاطفة في سورتي الأحزاب والنور .. بينما مثلا لو تتبعت كلمة ” الأموال ” ستجد أن القرآن تحدث عنها في عشرات السور مثل البقرة وآل عمران والنساء والتوبة ويونس وسبأ والأحزاب والحجرات .. الخ . كما تحدث عن عدم أكل اموال الناس بالباطل وعدم أكل أموال اليتامي وانفاق المال في سبيل الله على الفقير والمسكين وعابر السبيل , ولكننا وجدنا أنه مع زيادة عدد المحجبات ثم من بعد ذلك المنقبات ماتت ذمم الناس وامتلأت المحاكم بملايين القضايا الجنائية ولم يعد أحد يثق في كلام أحد وصارت السلع مغشوشة وصار في كل شارع نصاب وحرامي وبلطجي وشحاذ ورجل دين .
في حين أن الآيات التي تدعو النساء الى الحشمة هي خطاب فردي لهن بينما قضايا التعامل مع الأموال هي قضية اجتماعية كبرى يجب أن نفرد لها متسعا من الوقت والجهد .
أذكر جيدا مواقف تاريخية عديدة للنبي وهو يمشي بين الناس فيجد مثلا رجلا يبيع تمرا جيدا وآخر فاسدا فينهاه النبي عن فعلته ويحثه على عدم خداع الناس لأن الغشاش ليس داخلا في دوائر المؤمنين .. ولكن لم يصادفني مرة وانا اقرأ التاريخ الاسلام , أن النبي استوقف امرأة لينصحها في طريقة زيها . ولا تنس أن سوق النخاسة كان يمتلئ بالجاريات شبه العاريات .
” قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين “