بابنيوز - وكالات: روح الدعابة ملازمة لتواضعه وأدبه الجم، ضحكته أنارت الحوار، وألغت الملل بين سطور الأسئلة والأجوبة، خلع الجبة والعمامة ليرتدي زي الأفندي العراقي، إنه الباحث والسياسي ورجل الدين والشاعر اللبناني هاني فحص، صاحب العديد من المؤلفات منها ماضي لا يمضي ،
ذكريات ومكونات عراقية، خطاب القلب، أوراق من دفتر الولد العاملي، ملاحظات في المنهج، المسرح، وغيرها من المؤلفات الفكرية والأدبية. أكد لـ"لمدى" في حوار موسع معها انه يخشى على العمامة من أن تكون في مكان لا يناسبها ، مشددا على ضرورة فصل الدين عن السياسة، لأن التجارب أثبتت ان زج الدين في السياسة هو عملية قتل للدولة وللدين أيضا، مبينا انه لا يتحرج من سماع الأغاني العراقية وخاصة المقام منها، وفي الحوار محاور أخرى، وفي ما يأتي نصه.
مدني بسدارة عراقية
اليوم نراك خارج الشكل المعتاد الذي نرى فيه هاني فحص، هل هو هروب من الجبة والعمامة، أم ماذا؟
- ستظهر صورتي معك بلباس مدني وسدارة عراقية، يعني أفندي بسدارة، وأنا أريد من خلال هذه الصورة أن يحضر المعنى العراقي، وكذلك المعنى المدني، وهذا لا يعني تخلصا أو هروبا من المعنى الديني، بل أريد أن أرى الديني في المدني، والمدني في الديني ، من دون الوقوف على الشكل ، فمثل ما أحب هذا الزي أنا ايضا أحب العمامة جدا والجبة واحترمها وأخاف عليها جدا، وأخشى عليها احيانا أن تكون في مكان لا يناسبها ، وأنا لدي قضية مهمة مع العمامة، وهي أني أراها ذات دلالة كبيرة معرفية وأخلاقية في تاريخنا العربي والأدبي، دعنا من أصوات التشويش في التأريخ ، دعنا من الشوك والعاقول والحنظل والدغل، فتأريخنا فيه الورد الرازقي والقداح، وفيه رطب برحي، وحتى تمر الزهدي طيب ، فالزهدي عظيم لأنه يشبع الفقراء، وهو غال على الرغم من رخص ثمنه.
اعتقد أنك تريد أن تصنف العمامة إلى صنفين أحدهما من الورد والآخر من الشوك؟
- لا أريد أن ادخل في مثل هذا التفصيل، فكل تاريخ وكل صنف من الأصناف وكل فئة من الفئات فيها تعدد، وأحيانا تكون الغلبة للجمال والخير والعلم، وأحيانا اخرى تكون للجهل، وكما تعلم ويعلم الآخر أن هناك صراعا إنسانيا بين السلوك المستقيم والآخر المتعرج.
المهم للعمامة عندي رمزيّة كبيرة، وحتى لو ظهرت صورتي من دونها، فهي في قلبي، وكنت أتمنى ان أكون في قلبها، هي في قلبي بما تعمل وليس بما تكسب. سلطة الشيخ لا أريدها
تحبها وتضعها في قلبك لأنها منحتك سلطة الشيخ مثلا؟
- أبدا، هي في قلبي لا بالسلطة التي تمنحني إياها، أنا حتى سلطة الشيخ لا أريدها، كنتُ رجل دين وبإيمان قوي ، وأسعى يوميا للذهاب إلى قرية في الجنوب اللبناني وأتماثل بقوة مع تلك القرية، كنت أمد يدي على جيوبهم، وعلى قلوبهم ومواجعهم وأحلامهم وبيوتهم ولغتهم، وكانت تجري بيني وبين أهل القرية حوارات حتى في التعليم الديني، وحتى حين عملت في مجالي الأدب والفكر الحديث ، كنت أخاطبهم بالعامية ولم آتِ بخطابي من الخارج، وما كنت فقط في السلطة وإنما كنت أسعى لعمل شراكة في ما بيننا، فإذا رغبت في تعليمهم الصلاة، اذهب إلى الحسينية واطلب من احدهم أن يتوضأ أمامهم، ولطالما حدث شجار بينهم حول كيفية الوضوء والصلاة، وبعد نهاية كل شجار أكون أنا الحكم في ما بينهم.
الصلاة مع التين والزيتون
الحَكَم هو من أشعل شرارة الشجار؟
- لا، أنا اعمل ذلك من اجل أن يميزوا الصحيح من الخطأ في الوضوء والصلاة وبقية فرائض الدين، وفي لحظة من اللحظات تذكرت حكاية عن رجل دين قام بالعزوف عن صلاة الجماعة، وعزا الرجل أسباب ذلك الى انه في يوم من الأيام، حين كان يصلي بالناس جماعة، التفت إلى الوراء ليرى ويفتخر بعدد المصلين خلفه، قال شعرت لحظتها بأن الغرور قد أصابني وهو من دفعني للالتفات أثناء الصلاة، لذلك تركت صلاة الجماعة لأؤهل نفسي من جديد حتى لا اكرر فعلتي وابعد نفسي عن الانتهازية، وأنا كذلك وجدت نفسي في يوم من الأيام اهرب من حسينية الضيعة، وأنا في طريقي للجبل لحِق بي احد وجهاء القرية، وقال لي إلى أين ذاهب فالناس بانتظارك؟ فقلت له من اليوم لن أصلي معكم، فأنا اليوم متفرغ لأصلي مع شجرات العنب والتين والزيتون وبطلت الصلاة معكم، لأنه بطبيعتي اكره الرسميات والروتين وأكره الفصل بين الشيخ والجماعة.
زراعة التبغ والزيتون
من ضيعة "جب شيت" وهي مهد الولادة في الجنوب اللبناني إلى الحوزة العلمية في النجف الأشرف، ما هي أهم محطات تلك الرحلة الطويلة؟
- ولدت عام 1946 في ضيعة تسمى "جب شيت" والجب بالعربية هو البئر ، وكان اسمها في السابق كفر عين لكنها اندثرت وتحولت إلى قرية جب شيت التي كان فيها قبر يعود للنبي شيت كما يقال، وكانت مقرا إداريا وماليا للحملة الفرعونية، والضيعة في الجنوب اللبناني، وهي مشهورة بزراعة التبغ، وأيضا بزراعة جميع أنواع النصب وهي الشتول، كالعنب والزيتون والورود بأنواعها، وجميع الأنواع الغربية والشرقية من الشتول.
ولدت في غرفة من الطين
وهل لا يزال بيت العائلة هناك؟
- نعم. لا يزال ومنذ 60 عاما قام بتعميره والدي وهو موجود هناك، ولدت في غرفة من الطين لا يملكها والدي وإنما تعود لإحدى عوائل القرية، لأن والدي تزوج قبل أن يبحث عن سكن شأنه شأن أولاد القرى في ذلك الوقت، وتلك الغرفة ظلت عالقة في ذاكرتي، واعشقها جدا وكنت أزورها دائما ، إلى حين تحولت الى كونكريت فكرِهتها لأن كل ما هو جميل فيها ذهب ، بعدها انتقلنا إلى القرية التي أنجبت العديد من الأسماء منها على سبيل المثال الشيخ علي الزين وهو جد الصحافي احمد علي الزين والشيخ علي، أديب، ومؤرخ مميز، ومنها أيضا الشهيد راغب حرب وهو رفيق، وصديق اعتز جدا بصحبته، وهو جزء من أسرتي.
ميكانيكي وخياط
أول كتاب قرأته في أول سلم المعرفة ولا يزال في الذاكرة؟
- دخلت المدرسة الابتدائية وعمري ست سنوات، وأول كتاب سقطت عليه عيني هو كتاب الأطفال درج عرج، وما زال في الذاكرة لونه صفحاته وأحرفه، والصور البسيطة التي فيه معششة في المخيلة لا تغادرني، وكانت مدرسة طينية ولكن احد أثرياء الضيعة قام ببناء مدرسة حديثة وبنى فيها ملعبا، ثم أكملت الابتدائية في النبطية، وبعدها أنا عطلت لمدة سنة، والسبب أن أولاد خالي ذهبوا إلى بيروت للعمل فيها كميكانيكيين، فأقنعت العائلة بالذهاب معهم، وبالفعل ذهبت ولكني لم افلح أن أكون ميكانيكيا، وفي نفس العام الذي تركت المدرسة فيه حاولت ان أتعلم الخياطة، لكني لم أتعلم إلا أشياء بسيطة من تلك المهنة.
أغلب المدرسين من المسيح
كنتَ تكره المدرسة؟
- لا أبدا. والدليل مع نهاية العام عدت إلى الدراسة المتوسطة التي كنت اذهب إليها مشياً على الأقدام وكذلك العودة الى البيت، سواء في الصيف ام الشتاء، ومع ذلك كنا مرتاحين لأننا نعشق المدرسة، وكان اغلب المدرسين هم من المسيح وتربطنا بهم علاقة وثيقة وجميلة، والى الآن تربطني علاقة متينة مع الأحياء منهم، ونشأت علاقة ودودة بينهم وبين أهل القرية، المهم بعد أن أنهيت المتوسطة كنت اذهب للجامع بصورة متقطعة، لأني أحيانا أصلي وأحيانا لا، وأصوم في رمضان بصورة متقطعة، فقال لي احد الحجاج في الجامع، أنت يجب أن تذهب للدراسة في النجف، وكان ذلك تحديدا في العام 1961، ولكن أثناء العطلة ذهب والدي إلى بيروت ليشتغل عاملا، وقمنا باستئجار غرفة عند امرأة، وكانت في بيتها حديقة تزرع فيها الخضار كالرشاد والكرفس والمقدونس والكزبرة والفجل والكراث والبصل، وكنت اقضي فترات طويلة بمساعدتها، وكنت مسلياً لها، ودائما أقرأ لها عاشوراء التي أحفظها عن ظهر قلب، فكانت فرِحة بوجودي معها وهي أيضا طلبت مني الذهاب الى النجف وبالفعل ذهبت.
كتبت ما يشبه الشعر
في ذلك الوقت وأنت تقارب العشرين من العمر ألم تلحظ وجود ميول أدبية فكرية عند الشاب هاني فحص؟
- نعم. أثناء وجودي في المتوسطة شعرت بأن لدي هوسا بالأدب، فتجدني كتبت ما يشبه الشعر، وأحيانا اكتب ما يشبه الرواية، ونتيجة لاهتماماتي الدينية كانوا في المدرسة ينادونني بالشيخ، فقمت بإطلاق لحيتي، لكن مدير المدرسة كان مسيحيا فأرسل بطلبي، وقال أنا أحب لحيتك لكن يجب أن تحلقها أثناء الدراسة، لأن اللحية هي في الجامع وخارج أسوار المدرسة وعليك أن تحلقها وبالفعل نفذت الطلب، وذهبت الى النجف في نهاية عام 1963، وصادف مع نهاية الحرس القومي أي بعد حقبة البعث الأولى، وفي تلك الفترة حصلت على شهادة الثانوية السورية بالمراسلة، ثم واصلت دراستي بالحوزة وتتلمذت على يد الشهيد عبد الصاحب الحكيم والشيخ محمد صادق الجعفري والشيخ الحلي والشيخ محمد تقي الحكيم، والسيد محمد جواد فضل الله رحمه الله ، وفي كلية الفقه درّسني السيد مصطفى جمال الدين، والشيخ عبد المهدي مطر، والدكتور عناد غزوان رحمه الله ، ومن المصريين الدكتور عبد الله درويش والدكتور حسين نصار، وكذلك من أساتذتي مدني صالح ومهدي الشماع، أنهيت الكلية في 1971، وكان يجب أن أعود للحوزة لإتمام الدراسة.
حاول البعثيّون أن يكسبوني
خلال تلك الفترة ألم تكن لك نشاطات أدبية أو فكرية خاصة وأنت في مدينة الأدب والفكر؟
- خلال تلك الفترة كنت أتعاطى البحوث، وكنت مشرفا على مجلة تسمى "النجف" التي تعنى بالحداثة والفكر، وكتبت فيها العديد من المقالات والبحوث، وكذلك كتبت في مجلة "الكلمة" التي أسسها حميد المطبعي، وكتبت في مجال النقد، وكانت لدي العديد من العلاقات مع المثقفين العراقيين كسامي مهدي وحميد سعيد، وموسى كريدي ، وخضير عبد الأمير، وسعدي يوسف وعلي جعفر العلاق، ومجموعة كبيرة يطول ذكرها، في تلك الأثناء حاول البعثيّون أن يكسبوني إلى جانبهم، وفي أحد المهرجانات ، طلبوا مني الاشتراك فيه فرفضت، لكني تفاجأت بمجيء القائممقام الذي كان اسمه أبو علي، ومعه مدير الأمن واسمه حذيفة، وأقنعوني بالاشتراك بعد أن قالا لي إذا لم تشترك سيقوم البعثيون بزجك في السجن، وقد يتهمونك بقضايا غير أخلاقية، وبالفعل بعد مشاورتي لأساتذتي عملت صفحة واشتركت في المهرجان، بعدها وبناءً على تحذير من ضابط الأمن حذيفة ، الذي قال لي عليك المغادرة لأنك مراقب من السلطة، وبالفعل عدت إلى بيروت.
العراق في قلبي وبيتي
غادرت العراق مكرهاً لكن السنوات التي عشتها فيه ماذا تمثل لك؟
- على الرغم من مغادرتي له لكني بقيت عراقيا، وأدخلت العراق في قلبي، وفي بيتي - أكلاً وشرباً - وما زلت إلى الآن انتظر موسم البرحي، وحين يأتي وأتذوقه (أنشّع) ولا يمكن أن أوصف فرحتي بوصوله، وأتكلم دائما عن صفاته وفوائده وقد (غزر) بي ذلك ليبقى دائما وأبداً العراق في قلبي، فهو دائما موجود. وكتبت بشجاعة عن العراق قبل التغيير وخالفت السائد الموجود في الإعلام العربي آنذاك، فأنا مع اعتزازي بلبنانيتي فإني أجد نفسي في حب العراق لا اختلف عن أي عراقي آخر.
الأميركان أجهضوا الانتفاضة
بعض العرب يلومون العراقيين على آلية التغيير لكونها جرت برعاية القوات الأجنبية، برأيك هل ترك صدام بديلاً غير الأجنبي ليستعين العراقيون به في عملية التغيير؟
- لم يكن هناك بديل آخر، وأنا استغرب من هؤلاء العرب لماذا يلومون العراقيين على ذلك، ونسمعهم اليوم ينادون بنصرة الأجنبي في سوريا، ولماذا عند دخول الكويت من قبل الأميركان ومساعديهم من العرب، وبالأخص السوريين يسمون الأمر بالتحرير، بينما تحرير العراق من صدام والبعث يسمونه بالاحتلال، ونتيجة الظروف التي يعيشها الشعب في عهد صدام لا يوجد أي باب آخر متوفر للعراقيين في عملية التغيير، علماً أن الاميركان وبعد أن اخرجوا صدام من الكويت ، أصبح وضع صدام بالنسبة لهم وضعاً مثالياً، فهو عبارة عن جثّة هامدة لا يمكنها التأثير على أحد، لذلك تجدهم لم يساندوا انتفاضة الشعب العراقي عام 1991، بل هم ساهموا في إجهاضها لأنهم وجدوها فوضوية وغير منتظمة وانفعالية من غير قيادة، فالرجل شوارسكوف هو من حل المشكلة، وهو الذي سمح لهم باستخدام الطيران وسمح كذلك للحرس الجمهوري بتدمير المحافظات المنتفضة. الطائر والقطة
هل ترى أن العراقيين كانوا مضطرين لتلك الوسيلة في التغيير، ومعذورين في ذلك بعد الذي فعله صدام بهم؟
- أنا قبل دخول أميركا للعراق، خرجت على التلفاز في برنامج (خليك في البيت)، وقلت إن العراق طير محبوس منذ 35 عاما، وجاءت (بزونة) قطة حاولت أن تأكله فطار العصفور، نعم حاولت أن تأكله ونتفت بعض ريشه لكنه طار وما يحصل له الآن هو ثمن الحرية، المهم انه سيتحرر مستقبلا من القطة أيضا، والحرية هي شرط إنساني وتاريخي وستقوم هي بإصلاح نفسها، وهي من تكشف العيوب والمحاسن، فالحرية من عرّفتنا بمكونات الشعب العراقي المتنوعة، من كان يعرف بالشبك، والايزيدية ، والمندائية التي أنجبت عالم الفيزياء المعروف عبد الجبار عبد الله، وكذلك الشاعرة لميعة عباس عمارة، نعم كنا نعرف الآشوري والكلداني، ونتذكرهم في منطقة البتاوين، ولكننا لا نعرف الشبك أبداً ، ولكن الحرية هي من عرفتنا بهم، والآن التحدي الأكبر، كيف ننظم هذا التحدي الكبير، كيف يندمج هذا المجتمع الجميل من دون إبعاد أو تهميش احد، علينا احترام الجميع وإعطاء الدور للأكفأ وليس للأغلبية وتسمية الآخر بالأقلية، فالعبرة ليست بالعدد، فلا المسلمون كل شيء، ولا العرب كل شيء ولا الشيعة كل شيء، ولا السنة كل شيء، ولا الكرد كل شيء، ولا التركمان كل شيء فنحن كعراقيين جميعا ومن غير استثناء يجن أن نكون كل شيء، فمن غير الممكن إلغاء المكون الآشوري والكلداني وهما مكونان رئيسيان في المجتمع العراقي ويعدان من سكنته الأصليين، فالحضارة العراقية سومرية ، وآشورية، وأكدية، وكلدانية والخ. فالعراق بعمقه التاريخي ليس لعبة، وعلى أرضه تأسست حضارات رفدت الإنسانية جمعاء بالعلم والمعرفة، وفي العراق عاشت قوميات واديان ولغات متعددة، وهذا التعدد هو من أنتج عقلية المدينة.
يذهبون ويبقى العراق
كيف ترى وضع العراق الحالي وما تأثير التدخلات الإقليمية فيه؟
- عندما جاء الجنرال اللنبي ودخل قصر الملك فيصل بعد أن أخرجه منه، وكان جالسا فيه فارس الخوري هذا المسيحي اللبناني العظيم الذي كان وزير خارجية سوريا آنذاك وهو فقيه قانوني وعالم بالفكر الإسلامي، وهذا هو نتاج التعددية وإفرازاتها الرائعة إذا ما بنيت بالشكل الصحيح، فقال له اللنبي هذا قصر ملككم فيصل، فردّ عليه قائلا: نعم يا حضرة الجنرال، هذا القصر بناه مدحت باشا، وسكن فيه ثم تركه لوالٍ آخر ثم تركه أيضا، ثم سكن فيه ملكنا فيصل وتركه، وانتم الآن فيه وستتركونه حتما، ويبقى القصر، ويبقى العراق، نعم هناك تأثيرات إقليمية عليه سواء من قبل طهران او أنقرة، وتدخلات أحيانا نجدها تبث إعلاميا، فنقول لهم صحيح نحن ما زلنا في البداية ويعترينا بعض الضعف ولكن العراق سينهض حتما، ويخرج من عنق الزجاجة، ومن يفكر بغلبة العراق سيغلب والتاريخ أمامنا وشواهده كثيرة.
الانتخابات رائعة
برأيك هل نجح الساسة الجدد أو سينجحون بقيادة البلد؟
- والله أقولها بصدق، لم يبرهنوا إلى الآن ذلك، ولم نلحظ أية بوادر للنجاح في العراق، والى اليوم لم يقدموا شيئا للشعب ، الذي هو من قدم تجربة رائعة للعالم اجمع، من خلال نجاحه في الانتخابات. تجربة رائعة فقد فرض الناس إرادتهم عليها من غير إملاء من احد، نعم تحدث لدى السلطة التنفيذية بعض الخروقات، لكن المشهد العام هو متقدم ولم يحصل تزوير كبير، وما رأيناه تجربة رائعة لم يشهدها الوطن العربي.
حتى إذا ما قورنت بانتخابات مصر؟
- نعم. الانتخابات في العراق أفرزت ألواناً عدة ، بينما في مصر أفرزت لونا ونفسا واحدا هو المسيطر، بينما في العراق ألوان متعددة حتى في الطيف الواحد، سواء في الفضاء الإسلامي أم الوطني، وتلك تحتاج إلى نوع من الترتيب، إلى رؤية مشتركة ، وهي بحاجة لتوحيد الخطاب، وتلك الكتل ليست بحاجة إلى إلغاء الاختلافات تماما ، وإنما نحتاج لتضييق مساحة الاختلافات، والاتفاق على المشاركة وعدم إهمال احد في العراق، فاستئثار حزب في البلد سيدمر الحزب والعراق. استئثار شخص سيدمر الشخص والبلاد. استئثار طائفة سيدمرها مع الآخرين. إذا استأثر الشيعة سيكونون أقلية في المنطقة، وعلينا أن نستفيد من هذا التنوع في إنتاج ما هو عقل مدني مفيد.
السياسة والدين
العقل المدني كيف ينتج وهو مكبل بقيود الدين؟
- أنا ابحث عن العقل المدني بعيداً عن الدين، لأني أخشى على الدين من السياسة، وأخشى على الدولة من الدين، فالدين إذا دخل الى السلطة والسياسة سيقتل الدولة، وسيقتل نفسه فيها، وإذا دخلت الدولة في الدين أيضا ستقتل نفسها وتقتله، فالمطلوب أن تكون السياسة والدين حقلين معرفيين متوازيين متكاملين لا يتدخل أحدهما بشؤون الآخر، وعلينا فصل الدين عن السياسة من دون أن نرتكب خطيئة فصل الدين عن المجتمع، لأن الدين خيار وإذا ما أدخلناه في السياسة سنقضي عليه، إذا كنت أنت تخشى على الدولة من الدين فأنا أخشى عليه منها، أنا أريد أن احميه، والمسيحية في أوروبا أنقذت نفسها بأمرين، أولاً في فصل الكنيسة عن السلطة، وثانيا في التحديث الذي لم يلغ الأصل. فالموروث والثابت لا يمكن أن يحفظان إلا بالمتغير، فالحداثة العربية تحولت إلى كارثة خارج سياقات التاريخ، وكذلك الدين يتحول إلى عائق، وكذلك الموروث فأنت تذهب إلى الماضي من اجل الماضي هذا غير منطقي، وعليك الذهاب إليه من اجل استدبار المستقبل، استلهم من الماضي ما يناسب المستقبل.
غير متحمّس لكلمة الربيع
هل بالفعل ما تعيشه المنطقة هو ربيع عربي، يصفه البعض بالخريف العربي؟
- أنا غير متحمس لكلمة الربيع العربي، وأنت عراقي تعرف أن في الربيع أحيانا سموما وأتربة ورياح الخماسين، فالربيع أحيانا تعتريه شوائب كثيرة، وأحيانا يقتل الزهر، وقد يطول هذا الربيع ،ويأتي الصيف، ونحن بانتظار الربيع، ويجب أن تكون علاقتنا مع القضايا مثل علاقة الفلاح، فإذا زرع ولم تثمر أرضه لا يبيعها، يتبع أسلوباً آخر في الزراعة لكي تثمر، وهكذا هي علاقتنا مع العراق ما دامت مصيرية يجب أن نصبر عليه، وما حدث من ثورات الربيع العربي في بعض البلدان العربية كان يجب ان يحدث، وسيحدث في بقية البلدان، فهذه الشعوب منذ عشرات السنين مكبوتة ويحكمها طغاة يجب إزالتهم. البديل تحدّده الشعوب
وبرأيك من هو البديل؟
- البديل تنتجه حركات الشعوب، والباطل واضح والحق معقد، والبديل هو من يختاره الشعب، كنا نعتقد انه لا وجود للمعارضة في سوريا، وها نحن نشاهد ما يفعله الشعب السوري، نعم أمامه فترة معقدة لكن المستقبل السوري مقبل لا محالة.
بعض أنظمة الخليج ساهم في تغيير الأنظمة، ترى ما هو الدافع وراء ذلك؟
- تصفية حسابات تاريخية بين الأنظمة، وبعض المرضى يساهمون في التغيير ليبرهنوا للناس أنهم مصلحون وهم واهمون في ذلك، والدور سيأتيهم حتماً، لأننا أمام ظاهرة تاريخية والنظام الذي لا يبادر بالتغيير سيغيّر شاء أم أبى، والتغيير بدأ الآن في موريتانيا، ونحن مع حركات الشعوب نرضى بكل ما تنتجه.
أسمع الموسيقى لأجدد نفسي
هل تسمع الموسيقى؟
- لماذا ابتسمت وأنت تسأل السؤال ... نعم اسمع الموسيقى أحيانا في الليل وأحيانا في النهار، وحين أجد نفسي مرهقا فكريا وجسديا اسمع الموسيقى لأجدد نفسي.
ما نوع الموسيقى التي تسمعها؟
- اسمع الموسيقى الكلاسيكية، وكذلك الإيرانية، واسمع الأغاني العراقية وتطربني منها المقامات، واسمع الجميع لأني غير متحزب لأحد لا في الأدب ولا في الدين، وكرجل دين اشعر بأن الموسيقى غذاء روحي.
* هل تشاهد أفلاماً أجنبية؟
- بالنسبة للأفلام لدي مكتبة سينمائية عملها لي أولادي منذ فترة، وبالطبع أشاهد الأفلام سواء كانت أجنبية أم عربية.