مفهوم الحاكمية كما نعرفه مفهوم مرتبط بالحياة العامة ، و يكون أكثر حيوية إذا أرتبط بالمرأة ، والناس ومنذ قديم الأيام وهم مختلفين فيه بين رافض وموافق ،
و الرافضين حجتهم دائماً هي بتلك الفوارق الطبيعية والجسمانية والبايولوجية بين الرجال والنساء ، وفي أحيان يكون رفضهم منشأه عقد تاريخية وأحكام قبلية ، بلى كان لبعض الفقهاء دوراً سيئاً في ترسيخ هذا الرفض نزولاً عند رغبة الخلفاء الملوك ومايريدونه ومايشتهونه ، لذلك جعلوا له قواعد وأحكام ماأنزل الله بها من سلطان فمنعوا المرأة حقها الطبيعي .
ولكننا نحن وجرياً على عادتنا في البحث عن الحقيقة كان واجباً ولزاماً علينا ، التعرف على مصادر هذا الفتاوى والأحكام في النصوص والأخبار التي يجادلون فيها رفضاً لحاكمية المرأة ، والتعرف عندنا يعني التعرف على طبيعة هذه النصوص وبناءها وماتعنيه وماتوؤل إليه ، ويدخل في هذا الباب كذلك معرفة أراء الفقهاء في هذه المسألة ، التي أدعوا فيها بعدم جواز تولي المرأة قيادة المجتمع وحكم الناس ومن هذه النصوص مايلي :
النص الأول : من الكتاب المجيد : قوله تعالى - الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم - النساء 34 -.
هذا النص تمسك به البعض بدعوى إنه يمنع المرأة حقها في الحاكمية وقيادة الناس ، على أساس : إن العلة في قوله - بما فضل الله بعضهم على بعض - يستفاد منها حكماً ، بإن القوامه شأن يختص به الرجال دون النساء ، وبما إن ذلك كذلك : فتكون كل القضايا الإجتماعية والحياتية بيد الرجال دون النساء ، ولا يحق للمرأة تولي ذلك كما لا يحق لها التصدي لمسائل الحرب والسلام وكل قضايا الإدارة و القضاء !! وهذا الإستنباط الذي أستنتجوه غير دقيق و غير مناسب في فهم النص وتحليله ، ذلك لأن النص هنا إنما يتحدث عن قضية خاصة ، قضية ترتبط في الإنفاق المنزلي وضمن البيت الواحد بين الذكر والأنثى ، ولا علاقة لهذا النص بالحياة الإجتماعية العامة ، ولا علاقة له بمفهوم الإدارة في الشؤون العامة ، وليس له علاقة في قيادة الحرب و السلام والقضاء ، هو إذن مفهوم معين في قضية خاصة حاكية عن الحياة بين الذكر والأنثى في بيت الزوجية .
أما لماذا قال النص ذلك ؟ : فهذا يرتبط بالقوة الجسمية للرجال القوة التي ترتبط بالعمل الشاق وفي ذلك يكون الرجل يقيناً أقوى من المرأة ، ثم لو دققنا في لفظ - بعض في النص - فإننا نجد إن هذا التبعيض نسبي وغير مطلق ودلالته في الإنفاق وبمن يقوم به ، وهذا معلوم بالسليقة والفطرة أي إن من له القدرة على الإنفاق فهو بهذه الدرجة أفضل من الآخر والفضل هنا لا غير ، والجانب الآخر من التفضيل موضوعي له علاقة بالمال إيضاً فالغالب وما عليه السيرة إن الرجال هم من يدفعون حق المهر للمرأة أقول في الغالب !! ، ولعلنا نجد ذلك واضحاً في قوله - وبما أنفقوا من أموالهم - فالرجال هنا ينفقون بعض أموالهم كمهور للنساء ، وهذه النفقة لا تتعلق بالمصارف اليومية للبيت .
وعليه فالنص يحكي عن مفهوم خاص وقضية خاصة ، والمسألة إذن لا ترتبط بقضايا الحياة الإجتماعية ولا ترتبط بقضايا الحروب والإدارة ، والإحتجاج بها على عدم مشروعية جواز تولي المرأة الحكم ، إحتجاج باطل وغير دقيق ، وطبعاً هنا علة التفضيل علة نسبية غير مطلقة ترتبط وجوداً وعدماً بمن يستطيع الإنفاق والتحكم بالمال بين الذكر والأنثى ، فلو كان الرجل مبذراً وغير قادر على تصريف شؤون البيت وحاجاته ، تنتقل القوامه في هذا المجال للمرأة إن كانت مُدبره وعاقله وقادرة على حماية الأسرة ، إذن فالنص أولاً لا يتحدث عن القيادة بمعنى السلطة في الحياة العامة ، وثانياً لا يجعل النص ذلك مُقيداً بالرجال على كل نحو بل شرطه ولا زمه القدرة على التحكم في المال وشؤونات البيت الخاصة ، وملاك الحكم هنا للذكر وللأنثى واحد من غير فرق .
النص الثاني : قوله تعالى - ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة - البقرة 228 - .
البعض ظن من إطلاق عبارة - وللرجال عليهن درجة - إطلاق يمكن الإستفادة منه في قضايا الإدارة والسلطة والحكم ، ومادام ذلك كذلك فإن المرأة لا تكون مُديرة وحاكمة وقائدة ميدان ، وهذا الكلام لا يستقيم إن دققنا في هذا النص وفي بنيته ومعناه ، النص هنا يتحدث عن العلاقة المشتركة بين الزوج وزوجته وحقوق كلاً منهما هذا من الناحية الموضوعية وبناء النص ، والنص يقول : الزوج حين يطلق زوجته في حال الطلاق الرجعي ، تبقى الزوجة في عهدة الزوج من حيث الحقوق وما يجب عليه تأديته لها ، وأما لفظة - درجة - هنا ترتبط كما قلنا بالطبيعة الجسمانية والنفسية وهي طبيعة تكوينة و لا علاقة لها بالحكم الشرعي ، وعلى هذا فلايمكننا الإتكاء على هذا النص في رفض حاكمية المرأة وقيادتها في المجتمع .
النص الثالث : قوله تعالى - وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى - الأحزاب 33 - .
وقد تصور البعض وبما إن الله قد منع نساء النبي من التبرج كما كان تفعله نساء الجاهلية فكذلك يكون على نساء المسلمين واجب ان لا يظهرن امام الناس وفي الحياة العامة !! ، ولكن هذا التصور غير صحيح بدليل إن النص حينما تحدث ومنع نساء النبي من التبرج وحياة الجاهلية إنما نهى عن الحركات وعن السلوك الغير أخلاقي الذي يشوه صورة المرأة ككائن محترم وعظيم ، وليس الكلام في النص يتحدث عن عدم قدرة المرأة على الحكم وقيادة المجتمع ، هذا التصور بعيد وغير منطقي وخارج عن محل الكلام ، إذن فالإحتجاج في هذا النص على عدم مشروعية حكم المرأة إحتجاج باطل وغير دقيق ، ونحن نمنعه ولا نلتزم به ..
هذه جملة النصوص من الكتاب المجيد والتي يعتد بها الرافضين لحاكمية المرأة ، وهي كما رأيت بعيدة عن محل الإستدلال ومعناه ومراده ..
وأما أراء الفقهاء من السنة والشيعة فهي في هذا الباب على مراتب سنعرض لها حسب طبيعتها :
الرأي الأول : القائلين بالجواز مطلقاً وهذا مذهب الإمام الطبري المفسر والفقيه المعروف وهو رأي الفيلسوف المجتهد أبن رشد رحمه الله ، وقد ذهب الإمام أبي حنيفه إلى ذلك وعلى قول .
الرأي الثاني : هم القائلين بعدم الجواز مطلقاً ، وهذا مذهب الشيعة وهو رأي الإمام الشافعي ومثله قال الإمام مالك والإمام أحمد .
ودليل القائلين بعدم الجواز : هو قول منسوب إلى رسول الله جاء فيه - ... ما أفلح قوم ولو أمرهم إمرأة - أنظر كتاب المغني لأبن قدامه ج11 ص 380 - ، والحق إن هذا القول مرتبط بمفهوم الأعم والأغلب ، ولكنه لا يتحدث عن المراة ذات العلم والفكر والدين والتي تفوق في ذلك الرجال ، الخبر لا يقول إن على المرأة ذات العلم والفكر الجلوس في بيتها لأنه لا يحق لها تولي أمور الناس !! ، هذا الأمر لم يتحدث عنه الخبر المتقدم ، ثم إن القول بان المرأة ناقصة عقل وهي لذلك لا تستطيع الحكم وقيادة الناس ، قول مردود لأن طبيعة العقل لدى الرجال ولدى النساء واحدة وتركيبته كذلك واحدة ، وكمال العقل يرتبط بالعلم والمعرفة والدراسة ، وهذه أشياء مباحة للذكور وللأناث ، وبالتالي فمفهوم النقص مرتبط بالتعليم وفي ذلك يتساوى الرجال والنساء ، ثم إن القائلين بعدم الجواز يستندون على قضية شهادة المرأة ووجوب وجود الرجل معها ، وهذه ليست لا زمه بل إن المشرع الإسلامي نفسه جعل الحق للمرأة في أشياء معينة تشهد بها من دون حاجة للرجال ، كما في مسألة العذرية والولادة وغيرها ، لذلك فهذا الإدعاء ليس متين بحيث يمكن الإعتماد عليه .
وقالوا كذلك إنه لم يعهد في تاريخ الإسلام أن تولت إمرأة الخلافة ، وهذا القول لايمكن الإعتماد عليه بدليل إن تاريخ المسلمين في حقيقته هو تاريخ الجاهلية وحاكمية الخلفاء المستبدين الذين ركزوا في المجتمع حكم القبيلة فبنو أمية نسبة إلى أبيهم ، وبنو العباس كذلك نسبة إلى أبيهم ، تاريخ الحكم الإسلامي هو تاريخ الملل والأقوام وليس تاريخ الشورى وحاكمية الناس ، لذلك فلا يعتد بهذا التاريخ وبمن حكم فيه ، وذهب فريق منهم للقول : بان الحكم من طبيعته ان يكون له علاقة مباشرة بالناس وبشكل يومي ، وهذا ممنوع على المرأة التي يجب عليها الستر والحجاب وعدم الإختلاط ولزوم المنزل ، وهذا الشرط يمنعها من تولي أية سلطة في المجتمع !! طبعاً هؤلاء لم يفرقوا بين مفهوم الستر والحجاب وبين مفهوم الأخلاق والقيم اللازمة والواجبة ، الكتاب أشترط على الرجال وعلى النساء الأخلاق في الحياة وهذا هو الشرط الموضوعي الواجب توفره ، ولم يشترط الكتاب غير ذلك وعليه ومن توفرت فيه تلك الشروط من الرجال والنساء ، كان له الحق بالتصدي للقيادة والحاكمية ، وليس هو كما يقول الرافضون لحاكمية المرأة وما تمسكوا به من حجج واهية ..