تتيح الديمقراطية الليبرالية في العالم المتمدن الحرية التامة للأحزاب ولصحافة المعارضة في أن تقول ما تشاء شرط أن تلتزم الحقيقة والمنطق ومصلحة الوطن لا مصلحة السلطة الحاكمة فقط، وهو ما تعنيه باحترام القانون في بعض الأحيان.
وهي تجيز للمعارضة انتقاد رأس السلطة وما السلطة ورأسها إلا مجرد موظفين في الدولة يتقاضون راتباً ويؤدون عملاً، ثم يذهبون. وتُفرِّق الأنظمة الديمقراطية الليبرالية بين مَن يحرُق علم الوطن ويحرق علم السلطة، ذلك أن السلطة دولة بين السياسيين. فمن كان اليوم في السلطة فغداً هو في المعارضة، ومن كان اليوم في المعارضة فهو غداً في السلطة. لا دخل للسلطة في النظام الديمقراطي في الصحافة أو الإعلام بشكل عام، ولا تملك منه شيئاً، وليس لديها السلطة لأن تشير عليه من قريب أو بعيد بماذا يقول وماذا لا يقول. ولا تتدخل في إدارته أو في جهـاز تحريره. وتُعتَبر الإعلام مُلكية خاصة لا يجوز لأحد غير مالكيه أن يتدخل فيه، شرط الالتزام بالحقيقة والمعلومة الصحيحة. لا قوانين طوارئ في دول الديمقراطية الليبرالية، ولا أحكام عرفية فيها إلا في حالة الحرب الحقيقية أو التهديد الحقيقي الخارجي. وتُرفع هذه القوانين بمجرد زوال الخطر الخارجي. والحرية الديمقراطية الليبرالية لا تُغلِق صحفاً، ولا تحلّ حزباً ولا تعتقل كاتباً أو مفكراً ولا تُصادر قلماً إلا بأمر قضائي نزيه وفي حالات محصورة ومحدودة جداً، تهدد الأمن القومي، وتنذر بالخطر على الوطن لا على السلطة. لا تزوير في انتخابات الدولة الديمقراطية الليبرالية. والانتخابات هنا تنظمها وتديرها وتشرف عليها وزارة العدل لا وزارة الداخلية. ومن يرى أن هناك رائحة تزوير في الانتخابات فله أن يرفع ضد وزارة العدل شكوى رسمية. ويتولىّ الإعلام في مثل هذه الدولة أمر هذه الفضيحة ويقوم بالتحقيق فيها. تمنح الديمقراطية الليبرالية الحقوق السياسية كاملة غير المنقوصة، مثلُها مثَلُ الحزب الحاكم. لأنها اليوم معارضة، وغداً هي السلطة على كرسي الحكم. الديمقراطية الليبرالية ديمقراطية "قرارات" وليست ديمقراطية "إجراءات". رأس السلطة في الدولة الديمقراطية الليبرالية يختار رئيس الوزراء الذي يُشكِّل حزبه الأغلبية في البرلمان، ويكون عادة من أهل الخبرة السياسية الطويلة، ومن ذوي الباع الطويل في الإدارة الحكومية. ولا مجال إطلاقاً في هذا الاختيار للحسابات العائلية المعينة، كما لا مجال للصداقات الشخصية أو للاستلطاف الشخصي أو عدمه. وربما يكون بين رأس السلطة ورئيس الوزراء اختلاف واضح في الرأي والنهج والأسلوب في إدارة الحكم