يجب ان لا يغرب عن البال إن هذه الحرب الدائرة في غزة ، ما كان يجب ان تكون لولا ذهنية وطبيعة الحسابات السياسية الضيقة التي أعتمد عليها قادة حماس في تفكيك الهدنة بينهم وبين اسرائيل ، وهي ما كانت لتكون لولا تلك العقلية التي كان قياسها باطل حين ساوت في نظرتها للميدان وفي الواقع بين لبنان وغزة .
ونحن هنا لسنا في صدد ولا في حال نريد منه ان نلوم طرف ونترك الآخر يقتل ويدمر في معادلة خاطئة ووقتاً خاطئ ، بل نريد التذكير بحجم المعانات والألم الذي يهز كل كيان ، ونريد كذلك التأكيد هنا على إن مايجري في غزة هو إستخدام غير مبرر للقوة كما قال - يان كي مون - ، وهذا الوصف لواقع الحال إن أخذناه في سياقه العام وفي تعريفه وفي حجمه وفقاً لحسابات الحروب تجاه الشعب المسكين الأعزل .
ونحن حين نتحدث عن ذلك لابد لنا من تسمية الأشياء بمسمياتها ، فنقول : قد أخطأت حماس في حساباتها وفي نظرتها للواقع وفي تحليلها للمتغير السياسي ، ونقول كذلك إن هذا الخطأ إنما جاء وفق حسابات إقليمية فرضت أجندتها على أصحاب القرار في غزة ، ليكون لها القرار وهي تفاوض حول مسائل متعددة مع تغيير مفترض في أداء الرئاسة الجديدة في أمريكا ، وكلنا يعلم الكيفية التي تمت بها حركة الحرب الجديدة هذه ، و نعلم كذلك إن اسرائيل تختار دائماً حروبها بعناية ، رأينا ذلك في الكيفية التي تمت بها محاصرة الراحل ياسر عرفات .
حماس في هذا تتخبط خبط عشواء في مواقفها بين منهجي - السلطة والثورة - فهي في الداخل تنافس فتح حصرياً على السلطة وتعمل بكل الوسائل لتقزيم حركة فتح ووضع العراقيل في مشروعها ، لكن حماس لا تتحرك وفق منطق وقوانين السلطة وهي تخاطب العالم لأنها تعتمد في ذلك - منطق الثورة - وهذه الأزدواجية في الخطاب السياسي والإعلامي يجعل التعامل معها أو الموقف منها مربك إلى حدود كبيرة ولايؤدي إلى نتائج حاسمة يمكنها خدمة قضايا الشعب في تحقيق هدفه في قيام دولته الحرة المستقلة .
الهدنة كانت هي الممكن الوحيد الذي يخرجها من هذه الأزدواجية ، وهي الممكن المفترض ان يتطور إلى حركة سلام فيما لو إعتمدت حماس الواقعية السياسية والشفافية في التعامل مع مصالح شعب فلسطين ، وليس وفقاً لمصالحها الذاتية كمنظمة ولا كذلك وفقاً لطبيعة الصراع مع حركة فتح ، طبعاً لا يفوتنا التذكير بطبيعة الدعم المالي والإعلامي من دول أقليمية !! لا تريد للقضية الفلسطينة ان تحط رحالها على أرض الواقع أو ان يقر لها قرار ،
فتغذي هذا الجنون وهذا العبث المدفوع لتظل قضية الشعب الفلسطيني رهينة لتقلبات مصالح الآخرين ومزاجهم السياسي .
نتذكر جيداً إن العرب قد تبنوا في مؤتمر بيروت مبادرة للسلام ، كانت مقبولة في ذلك الوقت ضمن شروطها الموضوعية التي صيغت فيها ، وكان يمكن ان تكون هي القاعدة التي يؤسس عليها في مجال تحديد قواعد وأطر السلام ، والمبادرة لم تأتي من فراغ بل جاءت في وقت كان فيه الزعيم الفلسطيني الراحل محاصراً أي في ظروف مشابهة للظروف الحالية ، وقد قبلها الجميع لولا فوضى القرار وعدم الجدية من البعض في التعاطي مع منطق السلام ، وعدم إعتبار ذلك المنطق هو الحل والهدف النهائي للأطراف كافة .
ونعلم إن منطق السلام هو الذي يجب ان يبشر به العرب ويعملون عليه ومن أجله لأنه الممكن الذي على ضوئه يتم بناء الدولة الفلسطينية المرتقبة ، وهذا الشرط اللازم يفرض على العرب تخليص سلطة القرار الفلسطيني من مثيري الفتن ممن ، يحاولون خلق الإثارات هنا أو هناك في طريق وحدة الهدف ، أو من خلال الأدعاء بالقول إننا شركاء في تقرير مصير المنطقة أو الدعوى بالقول إننا قادرين ان نكون معكم .
يضاف إلى هذا جملة الأخطاء التي أرتكبها البيت الأبيض في السنوات الماضية تشتييت الرؤية تجاه منطق السلام ، من خلال تفتييت التوجهات والحرب على الأرهاب بطريقة دمجت التجييش والدعوة للفوضى في سلوك خلق هذه البؤر الهزازة والمتحركة في منطقتنا والعالم ، كما إن إختيار العراق ليكون نقطة التغيير المفترضة كان سوءة غير محمودة ولا محسوبة النتائج في ظل التوالي اللاحقة لهذا الأختيار .
فكان لهذا التقدير أثره الواضح في العجز السياسي والإعلامي لدى صانعي القرار ، وكذا الهدر المبرمج للوقت والهدر للجهد ، مما زاد في سعة ورقعة ونفوذ خطاب التوجه الراديكالي الديني ، ومن ثم الزيادة الملحوظة في فكر التطرف وعمله ونفوذه ، مما جعل كل المبادرات خالية من مضمونها حتى خارطة الطريق ومؤتمر أنابوليس وشرم الشيخ وغيرها ، ويجب الأعتراف بان اسرائيل هي الأخرى تبحث عن السلام ، وتطالب به وفق شروط كان يجب على الجميع التحاور معها فيه ، فقضية الأمن والسلام ثنائية ثابتة في حوار الأمن والسلام .
واليوم وفي ظل هذا الواقع المؤلم بكل تبعاته وسواءاته يلزمنا الدعوة للطرفين اسرائيل والفلسطينيين والعرب لوضع حد لهذا الفلتان ،والأعتراف بالحقوق المتبادلة فتلك هي البداية الصحيحة التي يجب ان يعمل لأجلها في هذه المرحلة وهي الممكن الوحيد الذي يبعد شبح الحرب أو التلويح بها أو ممارستها مرةً أخرى ، كما يجب ان نساعد الرئيس الأمريكي الجديد ليكون واضحاً في قراراته ودقيقاً في رؤيته للواقع ، من غير ضغوط أو أملاآءات من أي طرف ، حتى يمكنه وضع المنهج والموضوع الذي على اساسه يكون الرجل الموعود للحل الشامل والسلام العادل ..