ان الاشكالية التي تعصف بالواقع العربي والاسلامي هي ازدواجية النظر للطائفتين كل نحو الآخر. ان بروز تلك الخلافات للعلن هي استمرارية تاريخية للصراع القديم الجديد بين السنة والشيعة. فالجدلية التاريخية لا يمكن ان تنتفي ما دام الطرفان يدعيان انهما على حق وان كلاّ منهما الفرقة الوحيدة الناجية.
ولكن من اكبر الاخطاء التاريخية استمرار هذا الصراع مفتوح على شاكلته العبثية. لانه يشتت الامة وينبش تاريخ معقد في زمن تتطلع فيه كل الامم نحو مستقبل واع ومتحد. يندرج تحت مسميات الكتل والاتحادات والمجموعات وتجعل التاريخ للعبر وللتعلم من اخطاء الماضي. مما لا شك فيه ان ما يجري على الساحة العراقية أيقظ حميات الطوائف واخذت كل طائفة تدعي الدفاع عن الاسلام والعروبة فبدل ان يكون هذا دافعا للمزيد من المقاومة على القاعدة الاسلامية وفي الخير فليتنافس المتنافسون. اشتبهو فيما بينهم واخذوا يخونون ويكفرون بعضهم البعض. وساعدت عوامل اخرى في تأجيج الصراع. أهمها النخبة العلمائية بفتاوى التكفيرية أو باجتهاداتها الموضوعية كما يدعي أصحابها. وسنرى فيما بعد كيف ان هذا الموضوع يؤثر سلبا أو ايجابا في تجنيب أو تأجيج الصراعات في الامة. وثانيا اختراق المخابرات الغربية وعملها الدؤوب في صب الزيت على النار. اللعبة التي اتقنتها ولكن لم تتوصل بعد الى الجرعة المناسبة والكافية. لان في كثير من الاحيان ارتدت عليها اذا المشكلة اننا كشعوب لا ندرك كثافة العقد ولا حجم الاستهداف الذي نتعرض له. حينما نرى ان حزب الله مثلا قدم نموذجاً يحتذى به في المقاومة لانه حينما قاوم الاسرائيلي واللحدي لم يميز بين اللحدي الشيعي أو الدرزي أو السني أو المسيحي. المشكلة في القاعدة الشعبية الاسلامية. الشيعي يدعي ان عقيدته الصحيحة اوجبت له النصر المحتم. والدليل ان الشيعة الوحيدين الذين سطروا الانتصار على الصهاينة وايران الشيعية الوحيدة التي تقارع الامريكي في المنطقة. ويتناسى ان معظم شيعة العراق من بعد ما قاوموا واذهلوا العالم في ام قصر والناصرية. عادوا وسلموا للمحتل تحت مسميات الواقعية وان الشيعة تعرضوا للاضطهاد والقهر في عهد الدكتاتورية الصدامية. وقد حان وقت الاستراحة وبناء الذات... فيرد السني ويقول ان نموذج شيعة العراق دليل على ان الشيعة عملاء. فيجمل كل شيعة العالم تحت هذا العنوان. بل السني يضيف ان حماس والمقاومة العراقية السنية نموذج الاسلام الصحيح وينسى ان القاعدة أساءت كثيرا للمقاومة السنية. بل على العكس يضع نفسه في كثير من الاحيان موضع المدافع عنها. واكثر من هذا، هل يتذكر أو ينكر الشيعي اللبناني ان المقاومة الفلسطينية السنية هي من علمته حمل السلاح. وان معظم كوادر الحزب كانوا من المنخرطين في الوية المنظمات الفلسطينية. وفيما بعد أصبح الشيعة اشد المقاومين الشرسين بعدما ما نثر الأرز في وجه الاسرائيلي. بالمقابل هل ينكر السني من ان ايران الشيعية هي الدولة الوحيدة التي تدعم حماس والشعب الفلسطيني السني... بينما مصر الدولة السنية تفجر انفاق العز والصمود في غزة... في النهاية لا يخفى على احد دور العلماء المحوري في التوعية. لا يجب ان تكون مصيبتنا في توعية علمائنا لكي يبثوا الوعي في المجتمعات. يجب عليهم القول باننا كلنا مسلمون وان عدونا مشترك وان السلاح الفتاك الذي يقتلنا به لا يميز بين الشيعة في الجنوب ولا السنة في الفلوجة أو فلسطين. على رجل الدين ان يرى اين مصلحة الاسلام العليا... هل هي في بث الفتنة ام في جمع الشمل... واذا كان لا بد من مناقشات عقائدية فلتكن في الغرف المغلقة. ليس خوفا من النقاش بل حفاظا على الوحدة والهدوء. ولا يظنن احد انه قادرعلى ان يغير الواقع التاريخي الاسلامي. السنة سيظلون اكثرية ساحقة والشيعة اقلية باقية. منذ جعفر الصادق الى يومنا هذا...
محمد عجيب