قد يصبح "جسد المرأة" مسرحاً سياسياً لطغيان الرجل وإعلانه الوصاية على كائن "متخلف عقلياً" لا يعرف ما يستر به نفسه. ويعلل مالك بن نبي في كتابه "شروط النهضة"، المعركة حول جسد المرأة، بمزيد من تعريتها أو التشدد في تغطيتها،
وفق نفس الآلية الخفية من الدافع الجنسي، مع أن ظاهر الأمر يوحي بالتناقض بين الفحش والتقوى، لكنه في حقيقته واحد مثل الفيلم الأسود قبل التحميض والملون لاحقاً، بيد أن أكثر الناس لا يعلمون.
إن طغيان الذكر على الأنثى يتبدى في ادعاء الملكية، وعدم الاستبشار بمولدها، ولو كانت أصح من عشرة ذكور... "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم". وهي آية سارية المفعول حتى بين الألمان! وإذا مشى تركها خلفه لخطوات، كما رأينا ذلك في العائلات التركية.
وتطل قسمات الدونية في الخجل من ذكر اسمها، فهي "الجماعة" أو "العائلة" أو "أم الأولاد" أو "أنت أكبر قدر"... كمن يتعفف من ذكر مكان الخلاء! هي لا اسم لها، يتم استلامها بالبريد المسجل، من الأب إلى الزوج، ومن المهد إلى اللحد. وهناك من يدعي أن المرأة لها ثلاث "خرجات"؛ من الرحم إذا ولدت، ومن بيت أهلها الى بيت زوجها إذا تزوجت، ومن بيتها الى القبر إذا ماتت! وعند الزواج يغيب اسمها فهي "كريمة" فلان، تزف الى الشاب الذي يحمل اسماً ولقباً عريضين! ويسلب حقها من الإرث، ويُدفع لها راتب أقل في كل العالم، وتُحرم من المناصب القيادية، وإن وجدت فاستكمالاً للديكور. وتخشى على نفسها المسغبة عندما يغيض الشباب ويزول الجمال وتطعن في السن، فتراهن على عطف بناتها أكثر من حقوقها.
ويمكن للرجل أن يلقي بها في الشارع، بطلاق مع مؤخر رمزي دراهم معدودة. وهذا ما دعا القانون الكندي إلى الانتصاف بتوزيع الثروة بعد طول الصحبة والعشرة، إذ بنيا سوية العش العائلي، فلا يعقل أن تنصرف إلى بيت أهلها بدراهم بخسة.
إن أبعاد الكارثة إنسانية وليست عربية فقط، وإن كانت المرأة العربية تبتلع الجرعة السامة منه ولا تكاد تسيغه، ويأتيها الموت من كل مكان. يجب أن نعلم أن المرأة في بريطانيا لم تصوت إلا في عام 1912، وأنها مازالت محرومة في بقاع شتى من هذا الحق البسيط والطبيعي.
وفي بعض الأماكن مازال الزمن متوقفاً عند عتبة الأنثى، فتحرم من قيادة السيارة، بينما يطير الشباب الأرعن بدون رخصة سوى فحولته، فـ"يفحط" مع أقرانه ألواناً من الأشكال السريالية على الأرض محولين الطرقات الى ساحات حرب، تنقل الجثث على مدار الساعة.
إن حقوق المرأة مصادرة، بما في ذلك صوتها البشري؛ فهناك من يعتبر صوتها عورة، مع أن القرآن يروي سورة كاملة باسم امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو وترفع صوتها وتجادل.
إنها نكبة ثقافية عندما يصادَر القرآن برأي شخص.
ولفهم جذور المشكلة الإنسانية في أي مستوى، بما فيه الجنسي، يجب أن نبحث عن الخلل في المستضعفين أكثر من الجبارين. وهذه القاعدة تنطبق على مشكلة المرأة؛ فلماذا قبلت الأنثى هذا الاضطهاد الطويل؟
إن الإسلام جاء لإنتاج نسخ بشرية جديدة، بالتخلي عن علاقات القوة. فكان أول من آمن به امرأة، وأول من قتل في سبيل الله امرأة.
وفي الثورة الإيرانية، كانت المرأة تنزل الشارع جنباً الى جنب مع الرجل في مظاهرات مليونية، ولم يمنعها "الشادور" من الاستشهاد، فالطريق إلى الجنة لا تقف في طريقه قطعة قماش.
الضعفاء هم الذين يخلقون الأقوياء. والأمم الهزيلة هي التي تنبت الطواغيت. والدول تنهزم بتفككها الداخلي. وتنهار الحضارات بالانتحار الداخلي. هذا القانون يمسك جنبات الوجود، من الذرة الى المجرة، ومن أبسط الأفكار الى أعظم الإمبراطوريات. والمرأة لا تشذ عن هذا القانون، وهي تشارك في مسؤولية هذا التراث المريض.
جيء ذات يوم بامرأة خارجية إلى الحجاج، فقال لأصحابه: ما تقولون فيها؟ قالوا: عاجلها بالقتل أيها الأمير. فقالت الخارجية: لقد كان وزراء صاحبك خيراً من وزرائك. قال: ومن صاحبي؟ قالت: فرعون، فقد استشار وزراءه في موسى عليه السلام فقالوا أرجه وأخاه.