الجواب عن هذا السؤال يفترض إنتزاعه من واقع الحال وليس من الأفتراض ، ومفهوم الدكتاتورية في الذهن أو ما يتبادر إليه
هو الحكم المركزي القمعي الذي يلغي كل المؤوسسات الدستورية و الاجتماعية والسياسية ذات الطابع الديمقراطي أعني التي تعتمد الآليات الديمقراطية في التمثيل الوظائفي والحكومي والأداري .
ولقد حكمتنا الدكتاتورية في العراق عبر صيغة الحزب الواحد منذ ان تسلم البعث مقاليد الحكم فكانت كل ممارساته تصب في هذا الاتجاه مما ساهم في صناعة الإنسان العراقي المعاصر حسب رسومات وخطوط هذا الحكم ، حتى تعود ذلك الإنسان على المركزية الصارمة التي لاتسمح مطلقاً بالتعددية في كل اشكالها ولاتسمح بالمشاركة بل على الشعب السمع والطاعة ، وهذه المفردة الأخيرة تراثية تبناها الفكر الأسلامي من خلال حاكمية الخلفاء الذين كانوا بمثابة ظل الله ولهذا يتطلب منا السمع والطاعة لهم من دون حوار أو معرفة لماذا أو كيف ؟؟ ..
والصيغة هذه ظلت ملازمة للمجتمعات الإسلامية في ثقافتها وأدبياتها بل غدت المثل الذي يضرب على صحة وصدق التوجهات الدينية في الدين والدنيا ، هذا الفكر لم يفارق الواقع وهو الذي يبشر به السادة والمشايخ والوعاظ في كل مناسبة وحين ، حتى بعد زوال عصر الخلافة وبناء الدولة القطرية الحديثة ظل المنهج السياسي والإجتماعي والثقافي للمجتمعات العربية حبيس فكرة أو منطق الحاكم الواحد الذي بيده الأمر والنهي وعلى الرعية السمع والطاعة ، مما أنتفى جدلاً كل معنى أو مفهوم للحرية والتحرر فما يرآه الحاكم يجب ان يرآه الشعب والعكس ليس صحيح مهما كانت هذه الرؤية ، طبعاً لا يفوتنا التذكير بان الحكم بعد الخلافة هو للعسكر والعسس الذين كمو كل فم عبر احتفاليات الموت الجماعي والمقابر الجماعية وهكذا ، وحين تفكر جماعة أو فرد من أجل الخلاص يكون القمع ضدهم عنيف وعنيف جداً ، ولهذا حلم الناس بالخلاص عبر أية وسيلة ومن أي طريق وحين بدت سوءآت النظام البائد تظهر للعالم وحين عزم المجتمع الدولي على التحالف ضد الدكتاتورية في العراق كان الشعب كل الشعب مع هذا التحالف من دون تحفظ وهلل الجميع لذلك على أمل ان يعيش الشعب كبقية خلق الله الآمن ، ولما هوت بغداد وسقط الطاغوت وفرح الشعب بذلك قلنا ان عصر الديمقراطية قد بدأ وان العراق سيكون مركز تحول هام للمنطقة والعالم لما يمتلك من قدرات ومواهب بشرية ولما أصاب شعبه من حيف وإضطهاد كان ذلك كله سبباً في هذه الرؤية ، ولكن كل هذا زال وأندثر وتبددت أحلام الشعب حتى صارت هباء ذهبت مع الريح ، ذلك لأن الحركات الإسلامية لما دخلت واخترقت بوابات العراق استباحت كل عرض وبدت تمارس دورها التاريخي في القتل والتفريق والجهل والتخلف والعبث والفوضى وكل سلوك منحرف ، وهنا فقد الشعب الأمن والسلام ودفع على غير إرادته ليمارس عملاً سياسياً فاشلاً عبر الطائفية والمذهبية والمناطقية والقبلية وعاد الشعب سنوات وسنوات متخلفاً حتى عن أقرب شعوب الأرض النائية الفقيرة والمحرومة ، وكان لدول الجوار سهم كبير في تفتييت روح المواطنة من خلال الدسائس والتحريض خوفاً ان يصدق العراقيين في بناء دولتهم على نحو مثالي يكون حافزاً لشعوب المنطقة لتحذو حذوه ، فبادروا إلى قتله قبل ان يشتد عوده ، ساعد في ذلك ظهور حفنة من السياسين الفاشليين والفاسدين والمنحرفين والغير وطنيين ، كما ساعد في ذلك عجز المشاريع والطروحات التي أعتمدت التقسيم على أساس الطائفة والمنطقة كل هذا حدث والشعب لم يستطع ان يلتقط انفاسه ولو لمرة واحدة ، وصار كل واحد أمير وكل واحد إمام وكثرت المليشيا وقطاع الطرق والمرتزقة ففشل المشروع الذي جاء الغرب من اجله فهوى الإنسان وسقط الشعب وماتت الأرادة وتحكم في المصائر قوم لا يحسنون فن الحكم وقيادة الناس ، وضاع الأمن وفقد الناس أبسط مقومات الحياة وضاقت الأرض بمارحبت فلا كهرباء ولا ماء ولا دواء غير القتل وأخبار النهب والفساد والإغتصاب والسرقة وكل ماهو مثبط وحزين ، فكان لسان الناس يطلب الحماية عبر كل ظالم يمكنه حل مشاكلهم واحلال الأمن لهم وتوفير لقمة العيش والعمل لعودة المهجرين إلى ديارهم وحماية ممتلكاتهم واعراضهم وحوائجهم فكان لسان حالهم يقول كما قالت بعض المحطات التلفزيونية - الحل بالحاكم الدكتاتوري - ولو لفترة تزول به ومن خلاله كل مظاهر العنف والفساد والتشرذم وحبذا لو كان الحاكم شبيه لأتاتورك يغير كل شيء وهو قادر والشعب سيكون معه فلقد مل منطق الديمقراطية وثقافتها العراقية ، ولعل علامات ذلك قادمة مع الوضع الذي ستشهده المنطقة حين يتخذ العالم الحر القرار الحاسم بتغيير الوضع الخطأ والشاذ في إيران التي هي في الواقع أم المشاكل في العراق والمنطقة ..