منذ ذلك التاريخ الذي تكون فيه مفهوم الوطن العربي سواء في الذهن السياسي والثقافي أو في الخطاب واللغة الإعلامية ، منذ ذلك التاريخ و الوطن العربي يفتقد لمقومات البقاء الموضوعي والتطور والأزدهار
طبعاً لا يفوتنا التنويه إلى التنافر الحاد الذي تخلقه الأزمات في سلوكه النفسي وعلى صعيد علاقته في تحليل ما يدور من حوله ، وإذا كان العرب موضوعياً قد تعرضوا لموجات من العدوان الخارجي والغزو ، فأنهم كذلك تعرضوا لسلسة طويلة من المشاكل التي استعصت على الحل حتى اللحظة وقد تنوعت هذه المشاكل منها ماهو منهجي ووظائفي ومنها ماهو استراتيجي وبنيوي وهم في كل هذا عاجزين بالفعل على الخروج من دائرة الأزمة .
ولم يقدم القادة العرب ما يعزز مقولة الوطن العربي في ذهن المواطن العادي ، أعني فشل المشروع العربي في صياغة خطاب واقعي يسمح للعربي ان يشعر بوجوده وحريته وكرامته ، ناهيك عن الصعوبات التي تواجه المواطن في حياته اليومية على الصعيد المعاشي والتي كانت سبباً مباشراً لطبيعة المنظومة السياسية العربية ، فالمواطن العربي قد أبتلي بنظام قمعي بوليسي يحصي على المواطن انفاسه ويحدد له صلاحية وجوده .
حتى صار الأنتماء للعروبة شيء معيب في ظل الإخفاقات المتتالية في مجال البناء الإجتماعي والثقافي وفي الشراكة في صناعة القرار السياسي من خلال التفرد لدى مجموعة تحسب وكأن الوطن ضيعة تابعة لهم مما زاد في رقعة التفاوت الطبقي وزيادة نسبة الرأسماليات العربية والاقطاعيات المحلية وكثرة رجال الدين المزيفين وهذا كله يأتي على حساب جهد وواقع المواطن المرهق بالفعل ، كما ان المشروع العربي في التنمية لم يحقق أي نجاح سواء في مجال التنمية الزراعية والعمرانية ولا في مجال الإصلاح السياسي والإقتصادي وزاد في خيبة الأمل تنامي الشعور بالمهانه ووالهزيمة وكذب الشعارات والنفاق الذي كان رائجاً ، عزز ذلك السقوط في المعارك بين العرب وأسرائيل وكذلك الغاء الحريات وهيمنة الحكومات العسكرية الفاشلة والتي خلقت مجتمعاً محطماً في اجواء من القهر الأمني الذي شجع على زيادة السجون والمعتقلات وصار القتل سمة النظام العربي ، كما مارس إعلامه الزيف في خطابه عن الوحدة وعن الوطن الواحد ، وما إلى هناك من انواع التضليل الذي اثقل على المواطن سمعه وهو يعيش الفقر والحرمان والخوف وعدم الشعور بالمستقبل ،مما حدى بالبعض من شباب الوطن العربي لركوب كل موجة وان كانت لاتلبي مايرغب ومايريد ، فكان تأييد الشباب العربي لثورة الخميني جزء من هذا الواقع المهزوم مع علمه بان ثورة ايران لها وظائف فكرية وعقدية مختلفة واحياناً مضجرة له ولكن هذا هو الواقع ، ولما دعت امريكا لمناهضة المشروع السوفيتي في افغانستان هب عرب الجزيرة مدفوعين لإعادة الأمجاد عبر مقولة الجهاد التي تبيح القتال وهكذا نمى وترعرع جيل الارهاب وقد لقي الكثير من الدعم والتتأييد من مؤوسسات النظام العربي وكان الظن في ذلك تقويض دعائم الشيوعية التي هي كفر والحاد عند المشرع الديني ، وهكذا تنامت الأزمات مع تغطيه اعلامية مقصودة او غير مقصودة ولكنها أشبعت رغبت الطامحين في ظل تهريج غير محسوب ودعاية غير محددة الملامح ، في ظل هذا تقلص دور الفكر الليبرالي العربي وتقلصت مساحة نفوذه وصار خطابه محسوب على الغير ، مع قلة خبرة الشباب الليبرالي وقلة الامكانات التي تسهل عمله الاعلامي والسياسي والثقافي مع سطوة الاجهزة الامنية التي تحتكر الخطاب وزيادة رقعة الخطاب الديني وتماهيه مع حركة النظام العربي الذي يحاول تفتيت الشعور بالمسؤولية والهاء الشعب في سلسلة من الازمات ، فهو سني يدعم الطائفية الشيعية وهو شيعي يساهم في تدريب القاعدة ، تحت مبرر حماية المصالح هذا الواقع المرير جعل من الليبرالية العربية تعاني الكثير وهي ترفع شعار التغيير من اجل الانسان في ظل الحرية والعدل والسلام ، لكننا مع كل هذ نعتقد ان العرب كشعب تواقين لتأسيس نظام ليبرالي يحمي ما تبقى من هيكل الشخصية العربية الذي يصارع في ظل غياب عنصر الأمن ، وزيادة التطرف الذي صار يقتل من دون رادع ، الليبرالية ليست حلم ولاهي ضروب من المثالية بل هي الواقع الذي يحمي من التشظي والتناحر وهي المحطة التي تجمع الفرقاء حين يعز التلاقي ..