كثرت المؤتمرات التي تتحدث عن العراق هذه الإيام والإيام التي مضت ولكن تبقى النتيجة واحدة حسب قرائتنا للواقع ولطبيعة المؤتمرات فيه ,فلا يختلف أثنان على أن العراقيين قد شبعوا مؤتمرات لإيام المعارضة وإلى يومنا هذا وقد ملّوها , إذ لايخرج منها غير كلام ووعود وتباشير كاذبة ليس فيها ما ينفع العراق وشعبه ,لكن الجديد هذه المرّةهو إنصياع أمريكا لمطالب إيران الخفية والمعلنة وظهورها بمظهر العاجز,وهو إنصياع تتجلى صوره في مجمل أوجه النشاط والحراك السياسي في المنطقة.
أمريكا رضخت لإيران حين سعت أولاً ليكون برنامج المؤتمر مخصص للكلام المباشر مع إيران, وهو كلام سبقته مواقف تجلت على شكل خطوات أستباقية منها زيارة أحمد الجلبي لإيران ولقائه مع قادة الثورة هناك عن الممنوع والمباح ونصيحته لإيران لكي تستغل الظروف لمصلحتها لعلمه بحاجة أمريكا لها في هذه الإيام ,ومنها كذلك الزيارة التي قام بها لاريجاني لبغداد التي جاءت بعد التلفون مع نجاد ,وكذا ما صرح به بعض مستشاري الحكيم من ضرورة الحوار المباشر بين أمريكا وإيران لمصلحة العراق , يظهر هذا كله في خطابات بوش الجديدة ولغته المغايرة عن سابقاتها طبعاً ,هذا المعلن وما خفي كان أعظم كما يقولون ,نعم هناك إتفاق غير معلن للملمة أطراف النزاع في العراق وفي المنطقة تكون إيران قد أخذت بموجبه موقفاً بعدم تعرضها لإي عدوان ومن أي نوع ,كما وفيه إيضاً يتم التغاضي عن مشروعها النووي بحجة الأغراض السلمية للمشروع ,كما وفيه إيضاً ترك موضوع المقاومة اللبنانية للحوار الوطني اللبناني وتخفيف حدة النزاع والجدال الداخلي فيما يخص سلاح المقاومة ووضع حزب الله في العملية السياسية المستقبلية ,وهذا الشئ جعل جنبلاط الزعيم الدرزي يستبق الأحداث ليبدي مرونة كبيرة غير معهودة منذ أغتيال الحريري ويتحدث عن الحوار ومشروعية سلاح المقاومة ,يأتي في السياق نفسه تقرير لجنة التحقيق الأسرائيلية والموقف من حرب تموز العام الماضي والذي حمّل فيه تبعات الأخفاق والفشل على أيهود أولمرت معتبرة إياه المسؤول المباشر عن ذلك كله لأنه قام بفعل غير مبرر وغير مطلوب وحرب غير مدروسة ,كل هذه التداعيات ظهرت مرة واحدة قبيل مؤتمر العهد الدولي كما يحلو لهم تسميته وحضور إيران فيه بعد أن حققت الجزء الهام من مطاليبها ...
يعني هذا شعور أمريكا بقدرة إيران في العراق وفي المنطقة وشعورها بالعجز أمام ما يحدث في العراق من صراع دموي رهيب ,إيقنت أمريكا بالفعل وفي الواقع بما لإيران من نفوذ على مجمل شعوب المنطقة بل وحتى على القوى الأكثر تطرفاً كالقاعدة وغيرها في العراق وفي أفغانستان وفلسطين ,يحدث هذا في ظل أنحسار شعبية بوش إلى أدناها وصعود نجم الحزب الديمقراطي الذي بات يهدد بوش بالأستقالة أو نزع الثقة منه في خطوة خطيرة ,تعصف بكل كيان الحزب الجمهوري ,
هذا المؤتمر يأتي ليعطي لإيران شهادة حسن سيرة وسلوك في العراق والمنطقة ,وهو كذلك سيكون بمثابة إعتراف بحقها الطبيعي في العراق ولبنان وسوريا والسعودية والكويت والبحرين بل وحتى في مصر ,المتتبع لسير حركة الأحداث يعتقد بأن إيران حققت ما عجزت عن الحصول عليه بحرب الثمانية سنيين ,وهي سائرة بالفعل لتشهد افول النجم الأمريكي في العراق وبداية عصرها الجديد , وقد شعرت أمريكا بالفعل إنها قد خسرت اللعبة ولهذا تعمل على درء المخاطر عبر إلتفاف إعلامي ودعائي يحفظ لها ما تبقى من كلام عن الديمقراطية ليس إلا,وكما قلنا ذات مرّة إن أستحقاقات المرحلة المقبلة تتطلب بالرضى حين يتم تقسيم الأدوار على نحو جديد ,إن نتائج ما قلناه هنا ستظهر للسطح قريباًجداً !!!