نحن الليبراليون نعتقد بان - العدل والحرية والسلام - هي منظومة القيم التي تؤسس لفكر الإنسان السوي ، وهي تعني أهدافنا التي بها نحيا وبها نعيش ، ومن خلالها نتمكن من تجديد حاضرنا وبناء مستقبلنا ، وبها ومعها نعزز حضورنا في ساحة العمل وفي ساحة الصراع بين قوى الخير وقوى الشر ،
وهذه الأهداف بالنسبة لنا مبادئ وسلوك وقانون على أساسها نبني الحياة ونبني الإنسان ، ولأنها كذلك فهي هامة جداً لنا نحن العراقيون ، لأننا قد كابدنا وعانينا من الظلم والبطش والأستبداد ولازلنا نعاني اليوم من التداعيات نفسها ، إذن فهي قارب النجاة لينقذنا من طوفان الأنانية والبغضاء والتنافس السلبي ، وفي كل مرة ننوه إلى إن الليبرالية الديمقراطية ليست شيئاً كمالياً في حياتنا كي يمكننا الاستغناء عنها أو تجاوزها خاصةً ونحن نعيش الألم والمعاناة ، بل إنها الأساس الذي به نستطيع ان نجعل لحياتنا جوهراً وقيمة .
وفي هذا نقول : إن الليبرالية بقيمها ومفاهيمها هي كل واحد لا يقبل التبعيض أو التجزيء ، فهي كما لا تقبل المساومة على قضايا الوطن وحاجات المواطن المصيرية ، لذلك نرآها تحارب الإرهاب وتحارب الفكر الذي يصنعه وتحارب العقلية التي تُنتجه ، سواء أكانت دينية أو قومية أو عشائرية أو فئوية أو حزبية ، وهي بنفس الدرجة تحارب التخلف الفكري والسياسي الذي تصنعه قوى السلطة تجاه مخالفيها ومعارضيها ، وكما ان الظلم هو كل لا يتجزء كذلك هي الليبرالية الديمقراطية كل لا يتجزء ، وللتذكير نقول : حينما كنا نحارب العقلية التي كان يجسدها الحكم البائد في سلوكه وفي عمله وفي نمط حياته لم نكن نحارب في ذلك شخصاً بعينه أو فرداً بعينه ، إنما كنا نحارب طريقة التفكير وطريقة العيش التي كان يفرضها على الناس ، وهذا الدافع هو عينه الذي يجعلنا اليوم من أشد المعارضين لكل فكر متخلف أو مستبد لايرى إلاّ نفسه ولايستمع إلاّ لمن حوله ومن معه .
ولكي نسمي الأشياء بمسمياتها نقول : إن الطريقة السيئة التي جرت على أساسها طبيعة الحوار الوطني أستثنت عن قصد مؤوسسات المجتمع المدني وأستثنت كذلك عن قصد المرأة ، وهي الطريقة التي أعادتنا إلى الوراء إلى فترة الإنقباض ، وإلى ذلك التقسيم البدائي الذي ألغى الهوية وطمس الشعور بالمواطنة ، من هنا نقول : إن علينا واجباً أخلاقياً ووطنياً يتلخص بتحرير قوى المجتمع الحية من الإنخراط في التهليل والتسبيح والتمجيد لكل قادم ، والتريث والنظر وعدم نسيان كل شيء وكأن شيئاً لم يكن ، أن هذا الخطر النفسي والسياسي يخلق مجتمعاً هزيلاً ويخلق شعباً من غير مشاعر ومن غير أحاسيس ، وهذه لعبة الأستبداد والدكتاتورية حين لاترى من الأشياء إلاّ ماتراه ، إذن نحن منذ البداية كنا نقول إن تضليل الشعب والإخلال بقيمه منع متعمد له من الحياة ، ولكي لاندعي أو نقول شيء من عند أنفسنا فالبعض منا لازال يعيش السياسة والحياة بنفس الطريقة التي عاشها النظام البائد وتلك حقيقة معروفة للجميع ، اقول : إن تلك الطريقة هي التي جلبت للعراق كل ذل وكل هوان ، إن الاستهانة كما نقول دائما بمنظومة القيم الليبرالية يؤدي حتماً للوقوع في هذه الخطيئة ، ويدفع الشعب للسخط على كل شيء بل ويدفعه للرضا والإستسلام وتلك النتيجة التي تحصل حين تغيب قيم الليبرالية في حياتنا .
ولهذا ندعوا إلى التخلي عن تلك العقلية المريضة التي لاتستطيع التعايش مع الشعب إلاّ من خلال إستعباده وحرمانه من حقوقه وحريته وعيشه الكريم ، ولايجب ان يظن البعض إن هذا الشعب قد يرضى بان يكون خارج الحساب ، فزمن ال 2003 قد ولى ، ونحن في زمن خرج الشعب فيه من مخبئه وتعلم معنى الخطأ ومعنى الصواب في السلوك السياسي وفي الخطاب السياسي ، وماعاد ذلك الشعب الذي يخدع بالشعارات وبالخطب .
كما إن الأمة بكل فصائلها قد تعرفت على كل أو بعض من الذين حكموه ، وهي لن تقبل بعد اليوم ان تساق من غير تحقيق للمطالب والحقوق ، كما إن أية وزارة لم تأخذ بالحسبان حاجات هذه الأمة وتعتبرها الأولوية سيكون مصير هذه الوزارة إلى الزوال ، ولقد شاهدنا كم من الوقت ومن المعانات أستغرق لهذه الصيرورة ، ولهذا يجب ان يكون القادم أو المنتخب من بين الرجال الحريص على خدمة الشعب الظان به خيرا والعامل من أجله خيرا ، ولايجوز في حال العودة إلى نظام الإقطاعيات والمنافع لهذه الفئة أو تلك ، وإن حصل هذا فلن يقوم للعراق قائم بعد اليوم ، إذ لايجوز ان نقيم حكماً على أساس ترضية هذا الطرف أو ذاك ، فكل مايقام على هذا الأساس يشكل عبئاً في مسيرة التغيير والإصلاح والبناء والتنمية ، كما يجب منذ البدء رفض هيمنة الأحزاب أو الأسر على عمل الحكومة بالواقع وبالفعل ، فمصلحة الشعب أهم بكثير من هؤلاء وتلبية حاجات الأمة أهم بكثير ، من رضا أطراف النزاع والمتصيدين و إرضاء الأنصار الذين يطبلون ويزمرون ، والذين لايهمهم من الأمر سوى تلبية مطالبهم وتحقيق منافعهم الخاصة التجارية والسياسية .
وكما يجب منع هذا الاستغلال لثروات البلاد وكبح جماح موظفي الدولة ومنع الرشا التي تعتبر أخطر مايفتت خاصةً وإنها قد دخلت حتى دوائر القضاء وأجهزة الأمن والشرطة والجيش ، ونحن نعلم كم قد تحمل العراق من الإستغلال والنهب والسرقة من قبل متنفذين في أجهزة الدولة والحكم ، ونحن نرى في هذه الجماعات الخطر الحقيقي على البلاد وعلى العباد ، والمسؤولية الأخلاقية والوطنية تستدعي التصدي منذ البداية لهذا الفساد في داخل مؤوسسات الحكم وحواشيها ، ولقد رأينا كم من هؤلاء الذين أستغلوا الإحتيال بأسم القانون وبأسم الدستور ، ومن هنا يأتي عداؤهم لليبرالية الديمقراطية بإعتبارها الرقيب الذاتي والأخلاقي والقانوني وبإعتبارها القادرة لنزاهتها على تحقيق التوازن .
ولقد رأينا كيف أستبيحت دماء وأعراض وحياة الأمة وأقدس مقدساتها في ظل وبسبب هذا الفساد ومن صنعه ، ولهذا أقول : إن الليبرالية الديمقراطية هي السبيل لضمان التوازن الطبيعي ومنع الاستغلال لقوى الدولة أو تسخيرها لمصلحة فئات وجماعات الحكم ، والليبرالية الديمقراطية تعني عندنا التربية الصالحة للحاكم التربية التي تقوم على منظومة القيم الأخلاقية والوطنية التي تحدثنا عنها .
ان الشعب العراقي لن يرضى بعد اليوم ان يحال بينه وبين معرفة الحقيقة والإطلاع عليها ، كما إنه لن يرضى بالسكوت على الفساد وتبديد الثروة وتشويه سمعة البلد ، كما إنه لن يرضى حين تنتزع منه حريته تحت بند السمع والطاعة سواء الدينية أو القومية ، فالشعب يريد الآن أمنه وتحقيق حلمه المشروع في العيش الكريم ، وهو لن يرضى أو يسكت على من يشوه حقيقته أو يفسد عليه حياته ، ولايُمكن دعاة الإصلاح من المساهمة في بناء وإعمار البلاد ، ولعلنا نُذكر في هذا أعضاء البرلمان ليكونوا فعلاً مؤهلين صفة وأسماً ، في وضع حد لهذه التصرفات التي خربت العراق وكيانه الوطني والإنساني .
ويجب العلم إننا في بثنا لقيم الليبرالية الديمقراطية لانريد من ذلك سوى خدمة الشعب وتحقيق كرامته والوقوف بوجه المفسدين قبل وبعد هذا التاريخ ، وهي دعوة منا لنعلم ونتعلم منها النزاهة والحرص على سلامة الحياة ، والحرص على أستقلال البلد وحماية الشعب من العبث والإستغلال المقصود ، ولأن الليبرالية الديمقراطية تتيح للشعب أن يتعرف على وضعه من غير تسويف أو كذب أو خداع ، لذلك تجعله يتعرف على السبب في الجمود والإنحصار ، سواء في الداخل أو في الخارج والمواطن العراقي يعرف هذا بالضبط ، فالعراقي يحاصر في بلده و في كل بلد يسافر إليه ولايحترم في كل بلد ويتهم في كل بلد .
وكلامنا عن الليبرالية الديمقراطية في هذا الوقت بالذات هو كلام عما يجب ان تكون عليه حياة العراقيين ، وماهي الطريقة التي تُنجيهم من المهالك التي يسبحون في غمراتها ، إذن فهو كلام عن الحياة كيف يجب ان تكون ولماذا ؟ ولذلك فنحن وكل العراقيين في دفاع مستمر عن الإنسان العراقي عن هويته وعن وجوده وعن مستقبله ، وهو دفاع حياة ودفاع كرامة وفي ذلك لن نقبل أنصاف حلول ، طالما إن المتعلق هو حياة الشعب ومستقبله ، وفي ذلك لا نساوم ولن نقبل بالحجج عن الأمن والتجاذبات والصراع الطائفي وغيره لن ننخدع مرة أخرى .
إن الليبرالية الديمقراطية ليست مجرد نظرية أو كلام عن الحياة المتصورة كما قد يفهمها البعض ، بل هي رسالة إنسانية وعمل دؤوب من أجل الخير العام والفضيلة والسعادة ، ولن يكون العيش في ظلالها ممكناً من دون أن نسمح لعقولنا وقلوبنا ان تنفتح عليها تقرئها تتأمل فيها وتعيشها ، وترى من حولها وتقارن ، وسوف لن تجد المزيد من الوقت لكي تحكم بنفسها ، على أنها هي الحياة ، وهي الحقيقة ، وهي النجاة لنا إن أردنا ان نعيش بكرامة ....