لا أبالغ حينما أقول : ان الليبرالية الديمقراطية عندنا ليست معرفة ذهنية وحسب ، كما إنها ليست مذهباً كلامياً يخضع للبحث أو للقيل والقال ، بل هي حركة شعب من اجل ان يعيش الحياة من غير منغصات ومن غير تبعات الماضي وإسقاطاته وإشكالاته المتعددة والمتنوعة ، ولكونها كذلك تتمتع - الليبرالية الديمقراطية - بقوة التأثير على مخاطبيها لأنها لاتعد في المستحيل ولاتتحدث عن المثالية والطوباوية ، بل تتحدث عما هو ممكن وواقعي وتتحدث عن الحلم العربي والمسلم في الحياة الحرة الكريمة من غير تملق ومن غير نفاق حياة سهلة بسيطة غير معقدة ولا مملة ولا متعبة ، وأقول ولا غارقة في الدين السياسي ولا في تصورات أهل الكلام عن الممارسة وعن السلوك .
وهنا ثمة مايدعوني للحديث عن - الليبرالية الديمقراطية - مرات كي تزداد ثقافتنا بها معرفة ، وكي نتعلم منها في سلوكنا كيف نعيش ؟ ، وكي تترسخ في وعينا إنها الحقيقة الممكنة التي يجب ان يسعى لها الإنسان العربي والمسلم ، ولقد كنت ومازلت أؤمن بان صلاح حال الشرق الأوسط يكون بها ومن خلالها ، وإن النجاح مطلق عنوان النجاح لا يكون إلاّ من خلالها ، كما إن قوى التحرر العالمي لا تستطيع تغيير خارطة العمل و الواقع السياسي إلاّ من خلالها ، ولهذا قلت في مناسبة ما وأنا أشيد بدور الحركة السياسية في إيران نحو الإصلاح ، قلت : إن إيران يتعذر عليها ان تنجح في مشروعها التغييري مالم تتمسك قواها الوطنية - بالليبرالية الديمقراطية - وقولي هذا نابع من شعوري بان تغيير المنطقة لا يتم إلاّ من خلال تغيير في إيران ، ولقد ثبت عندي إن العراق لم يكن بمقدوره تغيير سلوك المنطقة العربية ، لأنه ببساطة يعيش ردات الفعل وليس عنده الكثير ممن يعي تطورات المرحلة ولوازمها ، صحيح إن فيه الناس جميعاً يتحدثون في السياسة وماحولها ، ولكنه حديث ثرثرة لايتعداه ، فالعراق صرت اليوم أعتقد إنه ليس المحطة التي يعول عليها في تغيير خط وسير سلوك شعوبها ، أما إيران فهي قادرة بحكم ما تمتلك من رصيد متنوع وإتجاهات متعددة وهذه كلها تساهم وتساعد في عملية التغيير ، وهذه حقيقة لايجوز تغافلها مرة ثانية كي لانقع في المحذور كما وقعنا في المرة السابقة .
وكثير ماينتابني شعور لا استطيع وصفه ، ولكنه يتحدث عن الإمكانية والقدرة في خلق مجتمع الليبرالية والديمقراطية في العراق وفي الشرق الأوسط ، ولكني ومع ذلك أجد نفسي مطمئن إلى حتمية خلق ذلك المجتمع الموعود ، وفي المستوى القريب وليس البعيد طالما تفهمنا حاجة المجتمعات العربية والإسلامية للإنتقال من حالة الماضي والتاريخ إلى حالة الحاضر والمستقبل ، كما إن روح المجتمع العربي والمسلم منذ الخليقة تتطلع نحو التغيير ولهذا رفدها الرب بمجموعة من التعاليم والوصايا بمثابة القوانين ، ولم يكن ذلك ممكناً من غير روح تلك المجتمعات وتطلعها إلى الحياة الأجمل والأحسن ، وفي ذلك لانجافي الحقيقة ولا نقول شيئاً من الخيال بل هو الواقع الذي من أجله يعيش الإنسان ويشعر بوجوده ككائن حي ، وفي ذلك نشير إلى التمازج بين الإنسان وبين الليبرالية وبين الروح وبين الليبرالية وبين الأخلاق وبين الليبرالية ، فالليبرالية هي كل هذا الخير وكل هذا العدل وكل هذه الحرية وكل هذا السلام ، وعلى هذا يجب الإيمان بها والتعرف عليها ككونها القوة والروح التي تحمي الحياة من ذهنية الأستبداد والدكتاتورية والظلم ، وما نجده من معالم خير في هذا العالم الفسيح فمرده إليها ومنها يستمد الخير وجوده وديمومته ، وفي ذلك بيان لماهيتها وليس من قبيل الشعارات التي ترفعها القوى السياسية ، فكما قلنا في مرة سابقة : إن الليبرالية الديمقراطية فكر وروح ، نقول هنا اليوم إنها الحياة ومن دونها الموت والفناء ، فمن منا لايرغب بالحرية ومن منا لايريد الكرامة ، ومن منا لايعيش من غير عدل ، ومن منا يرفض الدين والأخلاق والقيم ومن ومن ، إنها الليبرالية الديمقراطية بكل مالهذه الكلمة من معنى .
- الليبرالية الديمقراطية - التي ننادي بها هي حياة قبل كل شيء ، وهي روح الحياة وروح العاطفة التي تؤوسس لعلاقة الفرد بمن حوله ، وهي الوطن في معناه العام وهي الأمة في معناها ، ولاتكون الليبرالية كذلك من غير قيم الحياة وروحها وعمقها ، ولكي نقبل الليبرالية الديمقراطية يجب ان نقبل الحياة وان نكره الظلم والفساد والإنحراف نقول هذا ونحن نعلم إن البقاء ليس للأقوى بل للأعدل والأعلم وللذي ينفع الناس ويساعدهم على ان يعيشوا الحياة بكرامة ، ولأني أعلم إن العربي والمسلم لايزدري بالحياة بل يحترمها ولكنه من شدة فرط السياسة والتفاوت في العيش ومن كثرة الظلم يكره الحياة وهذا سبب وجيه يشدني لكي أقول إن الحركة بإتجاه خلق روح مجتمع الحرية كفيل بان يجد الإنسان حقه من غير منازع ، ولأننا نؤمن بالعيش المشترك فنحن نرفض الرأسمالية ونظرتها وجشعها وإستغلالها للإنسان وسعيها لخراب الحياة عبر تجهيز جوقة من النفعيين والمستبدين ، ولهذا نقول ان الخير والكمال بالليبرالية ممكن وبدونها غير وارد البتة ولاداعي للحديث عن حكم الشريعة وإنصاف ذاك الخليفة وذاك الوالي وذاك الإمام وكأن الملك له والناس عبيد له ، هذا الذي نرفضه في الخطاب السياسي للدين ونرفض من خلاله كل المتقولين فهم جميعاً من فئة واحدة لا يختلفون ، والحديث عن الماضي التليد هو ماسماه طيب الذكر ماركس – بأفيون الشعوب - ليس من قبيل الإنتقاص بل من قبيل التعريف ، وذلك تفريق كي لايختلط في الذهن بين الله وكلامه وبين تفسير وإجتهادات رجال السلطان ووعاظ الخليفة وهم في كل زمان كثير .
ولهذا ومنذ سنيين أجاهد ماأستطعت لكي أجعل الشباب يؤمنون بالليبرالية الديمقراطية لكي يعيشوا الحياة ، من غير تقاسيم أهل الفرق والملل والطوائف ، وأجاهد وحسبي أنني مؤمن بان الشباب العربي والمسلم يؤمنون مثلي ولكنهم بحاجة إلى من يدلهم على الطريق ، وإني لاأدعي أنني أقوم بالواجب كما هو وكما ينبغي ولكني أجتهد وكما يقولون - إن لكل مجتهد نصيب - متمنياً على الجميع المشاركة في تعزيز الوعي وتنشيط الذاكرة وتفعيل حركة الإنسان المرأة والرجل كل على سواء ، وإذا كانت التربية الليبرالية مطلوبة وإذا كان مطلوب كذلك إشاعة الثقافة الليبرالية ، فاللازم في كل ذلك الحرص والدقة والوعي وسعة الأفق كي لايقع التصادم في الذهن بين إرادة الله والليبرالية فهما عندي كل متحد وهذا ما يجب التأكيد عليه ، وهما يسيران متآزرين متعانقين، خاصة اذا كانت إرادة الليبرالية هي إرادة الله والله خلق الحياة لكي يعيشها الإنسان حراً مستقلاً كامل الوعي كامل الإرادة .