نقول نحن في - الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي - إن ليبراليتنا الديمقراطية تتميز عن غيرها من الليبراليات في العالم في كثير من القضايا كما تتميز عن الليبرالية الكلاسيكية والليبرالية الغربية في كثير من المفاهيم ، ولكي نفهم طبيعة هذا التمايز يجب علينا أن ننظر إليها في العمق أعني في النشأة وفي التكوين وفي المؤدى ،
الليبرالية الديمقراطية عندنا هي نتاج عقل وروح وفكر الطبيعة العراقية بماهي شرقية ومسلمة ، وهذا يعني كونها نتاج العقل المشرقي البسيط بكل ماتعنيه هذه الكلمة من قيم أخلاقية وبنيوية وسلوكية ، وهي تجسد عمق إيماننا وعمق حضارتنا وليس هي كما في الغرب تعبر عن شروط في الفكر والحياة والثقافة والإقتصاد مغايرة بحسب تغاير الطبيعة والمفاهيم والبيئة ، ومع إننا نعلم كيف نشأة الليبرالية في الغرب ولماذا ؟ فإنه من الحكمة ان نقول إن هناك إشتراك في الكيفية التي أدت إلى النشأة وإلى التكوين ، فكما إن هناك ثمة روح ضاغطة وتحديات إقتصادية وثقافية كذلك هنا عندنا هذا الضغط وهذا الموجب ، لكن ليبراليتنا أنشأناها وفق نموذجنا الثقافي العراقي ، لأننا نعلم ما يصلح له وما لا يصلح ، فالليبرالية الديمقراطية كما نفهمها يجب ان تلبي حاجات المجتمع العراقي أولاً ، وان تراعي جميع الشروط والمواصفات التي يتصف بها ، والتي تميزه عن غيره من المجتمعات والشعوب والأمم .
والليبرالية الديمقراطية حين تولدت عندنا ، أعني حين أنبثقت من وجداننا وعقلنا إنما جاءت كرد فعل طبيعي لحالة الظلم التي حكمت العراق سنين طوال ، فغابت معها الحرية وانعدم النظام والقانون ، وهنا ظهرت الليبرالية الديمقراطية كباحثة عن حلول للمشكلات التي كانت تعصف بالأمة العراقية وبالشعب العراقي ، وكانت ترى إن أمامها صعود للتيار الديني المتطرف الذي تكون مع بداية إنتصار الثورة في إيران ، وكان نشاط هذا التيار بين أبناء الطائفة الشيعية واضح من خلال مجموعة التنظيمات والأحزاب التي تكاثرت بشكل ملحوظ ، ومعلوم ان الدكتاتورية الدينية حين تتمكن من رقاب الناس فبطشها وفتكها يكون أشد ، لأنها ستتحدث في أحكامها وفي قضاياها نيابة عن الله وعن الرسول ، وهذا وحده معضلة عويصة وستكون مواجهتها مكلفة في ظل غياب الوعي والثقافة لدى الجمهور العام ، أضف إلى هذا مافعله النظام الدكتاتوري المنقرض الذي ألبس العراقيين ثوب الجهل والخوف والمرض فتآكلت قواهم الحية التي كانت تعمل لتحرير الذهن والعقل ، والتي كانت تريد تدشين مرحلة من الوعي يتم فيها الإنتقال نحو الديمقراطية بشكل طبيعي .
من هنا كان لابد لنا في ظل هذا من التركيز على الأولويات والإلتزام الصارم بالقيم العراقية لكي نتمكن من تجاوز بعض شروط مراحل القلق التي تنشأ بفعل عامل التخويف والتكفير وعدم الأهلية ، فكان ظهور الليبرالية الديمقراطية إذن كحركة سياسية أولاً ، ومن ثم كمشروع فكري ثانياً ، لتحاور فيما هو صواب وخطأ وفيما هو واجب وغير واجب للعراق في مراحله الزمنية التالية لمرحلة ما بعد سقوط بغداد ، كان ظهورها تعبيراً منطقياً رافض لهيمنة رجال دين بدائيي التفكير وأنصاف مثقفين ومغامرين ودعاة فتنة .
نقول هذا : بل ونؤكد على إن نظرتنا لليبرالية الديمقراطية في العراق قريبة الإتصال وقريبة الشبه في فهمها وفي تحليلها للكثير من القضايا والشؤون مع الإشتراكية في نظرتها للإنسان ، وهذا القرب بينهما هو قرب موضوعي يتعلق بالتفسير العلمي الذي تطرحه كل من الليبرالية الديمقراطية والإشتراكية لحركة التاريخ و الحياة ، فهو قرب إذن في تحليل وتفسير الظواهر والحاجات بحسب الطبيعة الإنسانية ومايجب ان تكون عليه ، وهذا ينسجم مع قولنا : بان الليبرالية الديمقراطية عبارة عن منظومة قيم تتكيف وفق ما يحقق للإنسان سعادته وكرامته ، وهذا القول فيما نعلم شديد القرب فيما تحاول - الإشتراكية بطورها الدولي - صياغته أو التعويل عليه في فهم وتلبية حاجات الإنسان ولوازمه ، و من هذا المنطلق فقد تسللت أفكارهما عبوراً إلى أعماق الضمير والوجدان الإنساني ، لأنهما تعبران عن موقف نزيه ونبيل من كل قضايا الإنسان ومن كل قضايا الحياة .
كما يمكننا القول : بان تطور ونمو وأزدهار الفكر الليبرالي الديمقراطي لم يكن بسبب ضعف أو خواء في فكر الأخرين ، إنما كان تطوراً منطقياً منسجماً مع ما تطرحه من نظرية متوازنة وواحدة في حل معضلات الإنسان ومشكلاته الآنية ، والليبرالية الديمقراطية في هذا تجد نفسه تتماهى في سلوكها الإنساني ونظرتها مع نظرة الإشتراكية وسلوكها ، خاصةً في الموقف من قضايا حقوق الإنسان المدنية والطبيعية ، وكذا في الموقف من قضايا الإقتصاد والمال وتوزيع الثروة و الملكية والخصصة ومفهوم تبادل السلع وإقتصاد السوق وسيطرت الدولة على قطاع الخدمات العامة .
ولهذا نرى بان الليبرالية الديمقراطية عندنا لايمكن قياسها بالليبرالية الغربية ، ذلك لأن مناخ تشكل الليبرالية الغربية الطبيعي غير مناخ ليبراليتنا الديمقراطية ولا نظرتها للحياة والدين واحدة ، لان الليبرالية الديمقراطية العراقية لا تنكر دور الدين في الحياة المشرقية بل تعتبره أحد مظاهر رقيها وتقدمها ، وهي حين تُبشر بمشروعها هذا تنطلق من تلك القناعة رافضة في الوقت نفسه دور الدين في السياسة وتدخله في تجزئي المجتمع مذهبياً وطائفياً .
والليبرالية الديمقراطية العراقية ليست كالليبرالية الغربية من حيث فهم العلاقة الروحية للتكوين الإجتماعي والبيئي ، وهذا يعني إننا نحتاج لكي نحقق مشروع الليبرالية الديمقراطية إلى الكثير من الأشياء الواجب عملها ، منها مثلاً إننا نحتاج إلى نبذ الكثير من المفاهيم القديمة البالية والتحول إلى الفهم الجديد فيما هو طبيعي ولازم لمجتمعنا ، وحين نقول إن نبذ القديم لازم فإننا نشعر وندرك إن حياة أمتنا لا يمكن أن تنمو في ظل القديم من الأشياء ، والإنتقال من عقل الماضي إلى عقل الحاضر يلزمه منا الصدق والإيمان والعزيمة والجدية والتحدي القوي المنسجم مع الذات ، لأننا نعرف إن الكثير من الأشياء الماضية لا تستحق ان تعيش أو يُحافظ عليها ، وطبعاً هذا الكلام لا يتعلق بالرسالة النبوية ولا في البطولات والأعمال القيمة للسلف الصالح ، كما لا يمكن نكران دور رجالات من الماضي صنعوا تاريخنا المشرق الذي نعتز ونفتخر به ، لكننا نريد من كلامنا ودعوتنا هذه هو أستئصال المثبطات والخرافات التي تعمل على أصابتنا بالشلل والهوان ، والتي لا تساعدنا على تنمية قدراتنا ولا تشجع إجتهادات عقولنا التي تعمل للصالح العام ، هذا ما نريده من عملية النبذ للماضي ، وحين ننبه إلى هذا نعلم مسبقاً دور القوى المتخلفة في بث الدعايات المضللة تجاه كل فكر لا ينسجم مع ما تمتلك وما تحصل عليه من وضع إجتماعي وإقتصادي ، كما ان العراق في حالته الحاضرة التي يمر بها يستوجب العمل من أجله من غير حسابات وأرباح ، خاصةً وهو يعيش أسوء أيامه في ظل إنقطاع كل شيء عنه من الماء والكهرباء والأمن والحياة الكريمة العزيزة .
لذلك يكون تعبيرنا عن هذه القيم ليس مثلاً يصعب تحقيقه ، لكنه الشيء الذي نعتقد إنه الممكن الوحيد الذي يخرج الشعب من وقعته المؤسفه ، فوضع الأمة العراقية في المجال السياسي والروحي والحقوقي هو وضع سيء في الحضيظ هو ، كما إن علاقته بمن حوله غدت عدوانية قاسية فرضت فيها إنماط من التعامل لم تكن من قبل ولم يكن أحد يتصورها ، لمجتمع كان مضرباً للأمثال في العزة والنخوة والشهامة ، من هنا نحن ندعوا من غير هوادة للإنتقال من حالة الفوضى والغصب إلى حالة الإيمان والإعتراف بحقوق الأفراد وحقوق المجتمع ، ونحن نعلم إن ذلك لا يكون ممكناً من غير الليبرالية الديمقراطية .
ومن هنا قلنا ونقول : إنه ليس من الحكمة ربط ليبراليتنا الديمقراطية بالراسمالية ، لأننا نعلم إن الرأسمالية قد وصمت بكل ماهو سيء من الأعمال كالإستغلال والإحتكار والهيمنة وتشجيع النظم الدكتاتورية والرجعية في المنطقة ، كما إنها غضت وتغض الطرف عن الظلم الذي يمارس في منطقتنا حفاظاً على مصالحها وشهوتها في إبقاء الرأسمال العربي والمسلم بيدها ، كل ذلك كان لابد لنا من دفعنا لتحرير ليبراليتنا فكرياً ونفسياً من هذا وجعلها بالفعل حركة إنقاذ وحركة تحرر ، ترفع لواء الحرية والحماية لكل المحرومين والبؤساء في منطقتنا من هيمنة وسطوة وغدر الفراعنة والهامانات ، كما إن ليبراليتنا لا بد لها أيضا كي تستطيع مواصلة نهجها هذا ، عليها اقتحام كل الصعوبات التي تقف في وجهها من رجال السياسة ومن رجال المؤوسسات الدينية التي تدافع عن الظلم وتحمي الإحتكار والإستغلال بالفتاوى والأحكام الباطلة ، وكي لا يختلط في ذهن الناس وكأننا ندعوا إلى دين جديد ، نقول : إن ظهور ليبرالتنا على هذا النحو ليس مظهراً من مظاهر الدين ، ولايجب ان يكون إعتمادنا على الإنسان وجعله هو الأصل والفصل مدعاة لتطرف البعض وجعل ما نؤمن به فكر إيمان جديد بالمادة وبالحياة وبالكون فهذا ليس حقيقي البتة .
فنحن لن نتبنى الفلسفة المادية هكذا دفعة واحدة بل نتبناها مع إيماننا بالله ، فالإيمان هو القاعدة التي نستند عليها في نهضتنا وفي تحررنا من الخرافة ومن الخوف ومن اليأس ومن القنوط ، كما إنه هو الذي يخلق فينا ذلك الدافع القوي الذي يدفعنا لتحقيق العدل والحرية والسلام ، ان روحنا الممتزجة والممتلئة إيمان ستكون المشجع لنبذ كل ماهو بالي وقديم وغير لائق ، فالليبرالية الديمقراطية بالنسبة الينا فرع ونتيجة لحالتنا الإيمانية ولضرورات وحاجات أمتنا العراقية ، ولهذا لانعدها القيمة المنفصلة أو النظرة الكاملة بل إننا نؤمن بها كونها جزء ناتج من وعينا وعقلنا المؤمن الصريح .
إن ليبراليتنا الديمقراطية كما نعتقد بها وكما نرآها لا تمثل الليبرالية الغربية ولا الروح الغربية ، ولكن هذا لا يعني إنها لا تتشابك معها في نظرتها لحرية الإنسان وحياته وهذا التشابك من لوازم الإعتراف بالفضل للمتقدم ، وليس كما يظن البعض إنها جزء منها فالفروق بينهما متجذرة تظهر في ذلك التمايز بين حياتنا و حياتهم ومجتمعنا و مجتمعهم ، فنحن امة مشرقية بكل ما تعنيه هذه الكلمة وهذه المفردة من معنى ، لكننا أمة تستحث الخطى لكي تنتقل من حياتها البدائية الرديئة إلى حياة أخرى جديدة ، وإن شعبنا يجاهد كي يخرج نفسه من هيمنة القوى ذات التخيل والرؤى القديمة ، وفي نفس الوقت يحدوه امل وشعور بان ذلك ممكن حين يستكمل طريقه في تحقيق حريته وأستقلاله ووحدته ، والدافع في هذا كبير يعبر عن الأمل وعن الشعور الواقعي بالغد والمستقبل المشرق ، كما إنه إيمان بحتمية التغيير ونجاح مشروع التحرر على الظلم والتخلف .
فالعراقي يدرك ان الليبرالية الديمقراطية هي أنجع وسيلة لنهوضه وتقدمه ونيله لكرامته التي هدرها الظلم والفساد والطائفية والعنصرية ، ولكن ذلك الإدراك مرهون بعمل العراقيين جميعاً بعدما أستنفذوا كل الطرق وبعدما صبروا كل هذه السنيين بوجه السرقة والتحايل والتشبث بالمناصب والإستقواء على الشعب بقوى الخارج ودول الجوار الضالة ، ونقول : كما تمكنا من تحرير العراق من سلطة الحزب الواحد فإننا قادرون بعون الله لتحريره من جديد من عقلية الفوضى والأستهتار بعواطف الناس ، ونحن نعلم إن موجبات ذلك قد حانت بفضل ماهو موجود بالفعل فالشعب كله من غير إستثناء يطالب بالإصلاح وفق المعايير الصحيحة ويطالب بالمساواة وبالعدل ، والشعب يرفض التحايل أو إستهلاك الوقت ، لأن كل ذلك سيقود إلى إنقلاب إجتماعي وسياسي وإقتصادي على كل ماهو سائد ، اليوم يبدو ان المحرك الاساسي للعراقيين في هذه المرحلة من حياتهم هو قساوة العيش والحياة البائسة التي يعيشونها دوناً عن خلق الله ، وهذه كلمة السر التي تستطيع وحدها ان تحرك ضمائر وعقول كل الشعب ليطالب من جديد بحريته وكرامته ، ويطالب من جديد هذه المرة من تحرره من الظلم والأستبداد
لينال سيادته ووحدته وكرامته .