سؤال نطرحه نحن ويُطرح علينا ، ولكي نجيب عليه لابد من القول : إن الذين يقفون بوجه الليبرالية الديمقراطية وبوجه مشروعها في العدل والحرية والسلام في العراق هم أعداء العراق وأعداء مشروعه في الحياة الحرة الكريمة ، وتأتي الرجعية الدينية والطائفية في مقدمة من يعمل لخلق المشكلات في وجه الليبرالية الديمقراطية ،
كما إن هناك أنصاف المثقفين و أنصاف المتعلمين و الفوضويين ومن في قلبهم مرض من يقف ومن يعمل كي لا يتحرر الإنسان ولا يتحرر الفكر ، أولئك هم المشاغبون والناعقون مع كل ناعق ، ولا نبالغ إذا ما قلنا إن الرجعية الدينية والتطرف هي أسوء من كل سيء لأنها تبشر بكل ماهو قبيح ومتخلف ، وهي تعمل مع غيرها بعلم أو بدونه لكي ينسلخ العراق عن هويته الوطنية ، وتعمل مع الغير كي تفرض على العراق أهواء وأمزجة دول الجوار التي فشلت حتى في التعامل مع شعوبها .
وشعبنا المغلوب على أمره يخضع عن حُسن نية لهؤلاء المتخلفين الذين يجعلون الشعب متخالف مع نفسه ومختلف مع غيره ، وهذه إن تمعنا بها سنجد إنها من عيار الخيانة للوطن وللشعب والخيانة لتاريخ العراق ومستقبله ، ولقد قلتها ذات مرة إن إتباع هؤلاء النفر سيقود العراق وشعبه حتماً إلى الهاوية وسيقوده إلى الوراء ، ولقد تجلى ذلك بطلب البعض من رجال الدين لمنع الإختلاط بين الذكور والإناث في الجامعات ، وهذه بادرة لا تبشر بالخير أبداً كما إنها ناقوس خطر يلف العملية التعليمية برمتها إن هي استجابة لهذا التخبط والعشوائية والتخلف المنقطع النظير .
أقول : ليس ثمة مايبشر بالخير من دعوات هؤلاء غير الجر إلى الوراء وتعطيل حركة النهوض والتقدم ، بل إن الإستماع لهؤلاء النفر سيعقد المشهد السياسي والإجتماعي والثقافي وسيطال مؤوسسات الدولة والحكم في الصميم ، وهذا الذي قاله رجل الدين هذا لم يحصل حتى في إيران التي أظنها اليوم أكثر علمانية منا في العراق .
أقول : إن الإنعتاق من ربقة الدين الرجعي هي المحطة الأولى التي تعدنا بالعيش الكريم بإعتبار إنسانيتنا أولاً وبإعتبار مواطنتنا ثانياً ، كما إن التحرر من الولاءات الحزبية والقومية والمذهبية هو العامل الحاسم في تحديد معنى الولاء للوطن ، فالدين السياسي ليس وحده مصدراً لهذا التخلف ، بل هناك المرتزقة والمطبلين والنفعيين الذين يزورون التاريخ ويشوهون الحقايق ، هؤلاء المندسين واللابسين ثياب الطهر والنقاء المتحذلقين ، هؤلاء النفر مجندين من قبل أجهزة ودوائر لدول الجوار معادية للعراق نجدهم في العادة تحت زير السلطان وحاشيته ، ولا يستطيع أحد ان يطالهم بسهولة لأنهم من زبانيته وعسسه .
كما إن هناك فئة أخرى تدمج في عملها بين الحسن والقبيح ، هؤلاء الذين يسيئون من حيث يريدون العمل الصالح وهؤلاء هم كُثر ، وعلينا واجب تنبيههم وإخراجهم مما هم فيه كي لايكونوا غطاءاً تستغل عواطفهم وتُجير لصالح الناهبين والسارقين من أعداء الشعب .
ان هدف الليبرالية الديمقراطية في هذه المرحلة هو كشف هذا التلاعب والإشارة إليه ، كما إن هدفها هو تُذكير المخلصين من أبناء العراق كي لايقفوا على الحياد ، بل يجب عليهم الدخول في معترك الصراع وبيان وجه الحق لمن ضُلل ولمن خدعته الدعاية والرشوة ، فالليبرالية الديمقراطية تنشد في عملها هذا تقوية عناصر القوة لدى الخيرين ودعم كل مخلص شريف يعمل لرقي هذا البلد وسعادة أبناءه ، كما إنها تُشير للطريق الواجب إتباعه لمن يريد العمل الصالح ، و تلك هي الغاية التي تنشدها في بناء المجتمع ، كما إنها تسعى لبناء منظومة قيم أخلاقية وإجتماعية داعمة ومؤوسسة لحب الخير ونكران الذات وسلامة التفكير وتجريد النفس عن الهوى والطمع .
إن هدف الليبرالية الديمقراطية هو تحفيز عناصر القوة والغيرة على سلامة الوطن وتعافيه وإستمرار بقاءه في ظل هذا التآمر الذي يزحف ويُعمل عليه من الداخل والخارج ، وهذا من الليبرالية الديمقراطية تعبير عن الحب والإيمان ، وهو بالنسبة لها مسؤولية تشعر بها تجاه من يُريد خداع الناس والعمل في الليل و تحت جنح الظلام ، إستغلالاً للظروف الإستثنائية التي يمر بها العراق ، فالليبرالية الديمقراطية بمعناها الصحيح هي إنقاذ شعب العراق من هذا المستنقع الذي وقع فيه من غير ان يشعر ، وهي بهذا تقدم رؤيتها المختلفة لبناء المجتمع وبناء الثقافة وتفكيك كل عناصر الهدم والتخلف التي سادت نتيجة لغياب الوعي والتثقيف الصحيح ، فهي إحياء لروح الأمة وتذكير بكل ماهو خير فيها وفي غيرها ، قبل ان تهوى وتسقط في الحظيظ .
إن الليبرالية الديمقراطية التي نبشر بها وندعوا لها تعني عندنا التحرر من كل رواسب التاريخ والجغرافيا وكل عقد الماضي وجهالات أهل الملل والنحل ، ولا يكون ذلك ممكناً من غير كشف لكل هذه العقد وماسببته من آلالام أحدثت شروخاً عميقه في ضمير ووجدان الشعب والوطن ، و لا يكون ذلك ممكناً من غير أسترداد العراقي لهويته ولعنصر بقاءه ولازم هذا العدل والحرية والسلام ، ولكي يكون هذا اللازم حاضراً يجب علينا المبادرة في فعل الخير والمساهمة المباشرة وغير المباشرة بتطبيق القانون وحماية الدولة وعدم الترويج للتصدع وحماية مابقي من ممتلكات وطن ، وبنفس الوقت نقول أو نريد ان يكون القانون للجميع وعلى الجميع كي يكون الحق والواجب عاما لا يستثني ولا يميز ...