أظن ان ثمة حاجة تدعونا للشرح مرة ثانية عن الليبرالية وعن موقفها من الرأسمالية السائدة ، وموقفنا نحن في الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي من هذا كله ، لقد حاول البعض عن سوء قصد إثارة الغبار في وجه حركة الليبرالية الديمقراطية تحت مقولة زائفة تربط بين الليبرالية والرأسمالية ،
وقد وضحنا في مقال سابق الفروقات بين الليبرالية كمنظومة قيم وبين الراسمالية كسلوك إقتصادي جشع ينمي الطبقية ويفاوت بين الناس وهذا ما نرفضه وقد عبرنا عن ذلك في سلسلة من المقالات والأراء تعزيزاً لما ذهبنا إليه ، واليوم وبعد كل هذا لازال البعض يستغفل البعض ليشكك في نزاهة الليبرالية الديمقراطية وويشكك في بعدها التام من الرأسمالية ومتبنياتها الإقتصادية الجشعة ، ولعل من نافلة القول ان يكون رفضنا منذ البداية للرأسمالية ونظرتها الخاطئة للإنسان يعبر عن موقفنا القديم الجديد ، ونحن في ذلك الرفض إنما نؤكد نظرتنا القائلة : بإن الإنسان هو الغاية وهو المنطلق ولا يجب إن يعلو عليه شيء من الأشياء مهما غلى .
كما إننا قدمنا منذ زمن تحليلنا للراسمالية ناكرين عليها رؤيتها المتناقضة للإنسان وللحياة ، وناكرين عليها دعواها وفلسفتها بان يكون الإنسان مجرد سلعة أو شيء من الأشياء وهو في هذا لا يعلو قدره وشأنه على ذلك ، وهذا بالنسبة لنا مخاطرة لا نرتضيها ولانؤمن بها ، كما لايجب الخلط بين إيمان الليبرالية بالحرية وماتدعيه قوى الراسمالية في ذلك ، بحدود الملكية الفردية وماينتج منها ، كما إننا لانسلم بما تقوله بعض الأبواق التي تخلط بين شيئين مختلفين في الرؤية السياسية للإنسان سواء في مجال الملكية أو في باقي المجالات الأخرى ، وبما إننا نقدس الحرية ونعتبرها القيمة التي يتميز بها الإنسان ومن خلالها يمكنه البناء والإعمار والتنمية ، بإعتبارها واجبة للإنسان ولايجوز نزعها منه أو تخليه عنها للدولة وللنظام السياسي ، ولكن هذا لايلغي قدسيتنا للنظام وللقانون في الوقت الذي نعتبر فيه الدفاع عن الحرية وحمايتها هو المقدس الأول حسب نظرتنا للواقع وكيف يجب ان يكون ؟ ، ونحن في نظرتنا هذه لاننطلق من الواقع الذي عصف بالعالم جراء خطايا وأخطاء الرأسمالية التي عمت معظم دول العالم ، لكننا ننطلق في ذلك من رؤية أستراتيجية نعتبر فيها الحقوق متبادلة خاصة في مناطقنا التي تعج بالفقر والفاقة والضعف الخدمي والإقتصادي ، والرأسمالية من حيث هي لا تكون الراعي أو المنقذ لمجتمعاتنا الشرق أوسطية الغارقة في بحور من التخلف والقبلية والدين السياسي الرجعي المنقبض والذي يسعى كغيره للحكم ولاسواه مهما كان الثمن ومهما كانت النتيجة ، إننا نريد ان نوضح لمن يهمه التوضيح : إن الليبرالية الديمقراطية التي تنادي بها شعوب المنطقة العربية والإسلامية لا تتحدث عن موقفها من الرأسمالية بناء على حاجة وقتية ، بل هي تعبر عن خيار وإلتزام ولاترضى الليبرالية الديمقراطية أن تغير أو تبدل لباساً بلباس مثله أو قريب منه ، فذلك عندنا مرفوض ويجب ان يعلمه الجميع ، وهو منا ليس خطاباً تعبوياً بل هو قناعة وإيمان منا ، فنحن مع الإنسان ومع كرامته لكن الإنسان داخل المجتمع المنضبط بالنظام والقانون والملتزم بإرادة الشعب وخياراته ، لايفارق ذلك ولا يقف بوجه خيار الشعب مهما كان نوعه ، نعم إننا ننبه ونشرح ونقدم ما يُبصر الناس ويُدلهم على الأخطاء والتجاوزات وهذا لازم من لوازمنا الأخلاقية والقيمية ، وهذا الإتجاه إنما يعبر عن إرادتنا وإيماننا بان الإنسان هو القيمة من دون تعارض أو تخالف بين ماهو واقع وماهو واجب في نظرتنا للحرية وللسلوك الإجتماعي كمنظومة عامة .
وأود القول هنا : إننا قريبين في وجهة نظرنا هذه مع من يؤمن بان الإنسان هو الغاية وهو المنطلق ، وهذا يعني رفضنا للفوضى في ظل الصراع الذي تصنعه قوى غير ديمقراطية تعمل لتجذير وتعميق الشقوق والخلافات بين أبناء المجتمع الواحد وأبناء الأمة الواحدة ، والصراع المختلق بين طبقات وفئات الشعب صنعته عن عمد قوى الرأسمالية داخل مجتمعنا لتتمكن من السيطرة عملاً بالمبدأ العتيق - فرق تسد - ، وهو بهذا اللحاظ ليس صراعاً طبقياً بين مكونات على قضايا إقتصادية أو إجتماعية ، بل هو صراع متخلف كان منذ القديم وجذرته الدكتاتورية ، وساهم في بروزه التطرف الديني والتشقق الطائفي والمذهبي مع الجهل الذي يتحكم بقسط كبير من مدارك الناس ومحركاتهم .
لكننا لن ننكر في الجملة ماهو سائد من صراع وماهو مضمونه بين الفقراء التعساء وبين طبقة الملاكين الجدد الذين أثروا بشكل فاضح ، ساهم في هذا الثراء قوى السلطة الفاسدة وغياب القانون والنظام ، وهيمنة مجموعة من المتخلفين والناهبين للثروات مما أشاع الفساد المالي والإداري الذي يضرب أطنابه في العراق اليوم .
ولم نكن في نظرتنا للواقع خيالين أو طوباويين وإنما إنطلقنا من الواقع وعملنا على أساس ذلك ، في تحليلنا ورؤيتنا فالليبرالية الديمقراطية حين ننادي بها كخيار للأمة العراقية إنما ننطلق في ذلك من معرفتنا لحاجة الأمة وماهو لازم لها وضروري ، فالحرية لازمة وتحرير الإنسان واجب وتنبيه الإنسان لمخاطر التخلف الذي يغلف حركة السياسة في العراق كذلك واجب ، ومن هنا طرحنا المشكلة على شكل مختلف طرحناها في داخل المجتمع الذي تعصف به قوى لا تريد له الخير ، ولأننا نعتبر هذا المجتمع واحد من جهة الإنتماء وجهة الهوية وجهة الثقافة ، ولهذا طرحنا ذلك ككل لا يتجزء ولم نأخذ منها جزءاُ واحد فقط كما يفعل الغير ، ونحن نعلم إن معضلتنا شديدة الحساسية كثيرة التعقيد فنحن في دولة تمزقها قوى الظلام والشر ، وتعصف فينا قوى الجوار تدفع بمشكلاتها لنا تستعمرنا وتغذي فينا الفتنة والتخلف والعصبية ، وهذا يعني إننا نتحرك في بلد متخلف في كل شؤونه ، متخلف في الفكر وفي الثقافة وفي الفن وفي السياسة وفي الإقتصاد ، متخلف في كل شيء ، ولكي نساهم ونساعد في بناءه وتنميته من جديد لابد ان يكون مشروعنا واقعي يحقق للجميع مايرغبون ويحلمون به ، وهذا ممكن في حال أستطعنا تشكيل جبهة عريضة من كل الليبرالين والديمقراطيين والحالمين بالغد الجديد ، لكن هذا يتطلب عمل مكثف ومرصوص فالمتربصين بنا كُثر ، أولهم الظلاميين ومثيري الشقاق في جسد الأمة من السياسين والمنافقين الذي يتمسكون بالخلاف ويحرضون على كل ماهو سيء لان ذلك هو كل ما يمكنهم عمله ، ولابد من التنبيه بان الذين يخدمون دول الجوار ويقدمون مصالحها على مصالح الشعب هم كذلك من يسعى ويعمل للفساد وللتجزئه ، ان رجل دين متخلف وحاقد يمكنه خلق التوتر والنزاع والتعصب ، مع إنه قد لايكون في السلطة أو قريب منها لكنه يعمل السوء بناءً على أراء متخلفة بالية ، وفي هذا الشأن يكثر من هم بهذه الشاكلة في التلفزيونات والفضائيات والمنتديات ، إنهم يسئيون ويزرعون الفتن والتطاحن بين مكونات الشعب الواحد .
ولذلك لايجب علينا ان نتساهل تجاه مثيري الفتن ومقوضي النظام والقانون ، ولهذا أقول : إن المشكلة ليست سهلة وان علينا ، مهمة مزدوجة في تبني مشروع التوعية والتثقيف والإرشاد لكي نبدد أحلام صانعي التوتر والقلق في وسط الأمة الواحدة ، ان مفهوم الليبرالية الديمقراطية الذي يكثر الكلام عنه في بلادنا ، هو مفهوم في معظمه إيجابي لأنه يسعى لتحرير الإنسان وتوفير الحياة السعيدة له ، كما إنه يعني محاربة الفقر والتخلف والجهل وكل مسبباته ، ومن هذا المنطلق علينا أن نوضح الصورة المشرقة لليبرالية في الجانب الإجتماعي والإقتصادي والسياسي والثقافي والفكري ، ونحن نفتخر بهذا التوضيح لأنه يعزز فرص النجاح والتقدم للمجتمع الذي ذاق الكثير من الأحزان والضيم والقهر ، نقول هذا لأننا نشعر ونلمس إن الليبرالية الديمقراطية هي نتاج وعي المجتمع وتعبير عن حاجاته الضرورية واللازمة ، فهي منه لا تستعلي عليه ولاتطغى بل تعمل لتحقيق مصالحه في العدل والحرية والسلام .
وهذا منا ليس تعصباً إنما إعترافاً بالفضل وتدليل عليه ، ونحن في ذلك مبلغين وناشرين للخير وساعين من أجله ، ولن نعترف بكل حماقة ممكن ان توجه لليبرالية الديمقراطية عن قصد في التشوية أو عن عدم فهم كما ألاحظ من خلال مطالعاتي وتتبعي لمن يقرون في هذا الباب ومن يعلقون ...