الحركة - الليبرالية الديمقراطية - هي حركة جدية وأصيلة وعميقة في الوعي الإجتماعي لشعبنا العراقي ولأمتنا العراقية ، وهي لم تكن حالة طارئة ولم تأت كنتيجة لواقع زماني ومكاني خاص ، بل هي إنبثاق من عقل الأمة وحاجتها - للعدل والحرية والسلام - ، وهي حاجة مضطردة دائمة ، ولهذا نقول ، :
إن الليبرالية نشأت مع الوجود الفعلي للإنسان على وجه الأرض ..
والليبرالية الديمقراطية تأثرت بالواقع الموضوعي المحيط ، ولهذا حددت اهدافها وفقاً لذلك ، دون ان تغرق في تفاصيل الواقع بل أحتفظت بقدرتها على السيطرة على قوى الواقع ومُحركاته ، فكانت هي بالفعل حركة أصيلة غير وافدة بل متجذرة في الوجدان الشعبي للأمة العراقية .
وإذا نظرنا للتغيير الذي حدث في العراق ، نجد إنه تغيير تطبع بالسلبية سواء في المجال السياسي أو الإجتماعي أو الفكري ، وهو إنعكاس لما كان عليه واقع الحال من حالة الجمود والتخلف والإنحطاط ، وقد قلدت القوى التي أُتيح لها السيطرة على مفاصل الحكم ماسبق تقليداً حرفياً من المحسوبية والرشوة والكذب والتخريف والتزييف ، مع إنها حين رفضت سلطة الماضي كانت تنقم منه لذات الإشكاليات والمشاكل ..
ونحن نقول : إن ذلك ممكن أو إن مرور العراق بتلك الحالة ممكن مع بداية نهوضه وتحرره ، ولكن الشيء الغير طبيعي ان تستمر حالة الفوضى والتسيب والسلبية وان تبقى حالة مستمرة تعبر عن مرحلة ردة فعل لما كان سائد .
ولهذا عبرت قوى الليبرالية الديمقراطية عن خيبة أملها بما وصل إليه حال العراق ، فالتحرر إن لم يحمل بذور التغيير في الواقع يغدو حالة مرعبة مخيفة ..
نقول هذا عن الحركات السياسية وعن الحركات الفكرية والإجتماعية التي قامت من أجل تصحيح أمراض المجتمع ، كالإقطاعية والفئوية والعنصرية والطائفية والمذهبية وغيرها ، ولو دققنا النظر في حال الحركات تلك لوجدنا حالة الخمول والكسل والسلبية فيها كصفة متأصلة ولم تحدث بعد التغيير ، ونريد من ذلك إنها لا تختلف في جوهرها عن الحالة التي قامت عليها وعارضتها ، فقوى السلطة اليوم تقلد الأستبداد وأساليبة ، كما إن الحركات الفكرية تسير بنفس روح الماضي في مواقفها وأحكامها وصياغاتها ، والحركات الإجتماعية هي الأخرى حملت بذور السلبية نفسها ، وشطت في غاياتها وأهدافها حتى خسرت رسالتها والمُراد من وجودها .
-
الليبرالية الديمقراطية - تؤمن بالواقع الموضوعي وبسلطة الزمان والمكان ودورهما ، وهذا يعني إن الليبرالية الديمقراطية تعتقد بتأثير الواقع الموضوعي لمجتمع ما على اي تحرك أو حركة ، إذ لا وجود للحركات النظرية المجردة التي لا تعيش الواقع ولا تنطلق ولا تتصل به و بحاجاته ورغباته ،
إذن فلكي تكون الحركة حية يجب ان تعيش الواقع ، وان تفهم مختلف التيارات التي تتحرك في المجتمع ، ولقد تحدثنا عن ذلك مرات كثيرة في كتاباتنا عن – الليبرالية وعن الثقافة الليبرالية – فالتناسب بين الواقع وحيوية التحرك وفاعليته يجب ان يكون تناسباً طردياً ، وهذا التناسب يُحدد طبيعة التحرك وقيمته وجوهريته ، وهنا تعتبر - الليبرالية الديمقراطية - جوهرية الحركة حين يكون الجوهر هو الثابت وليس المتحول ، وتكون الحركة متجاوبة مع الواقع المتصل بالزمان الموضوعي ..
إذ لا يمكن إلاّ ان تكون الليبرالية كذلك لكونها حركة أصيلة وليست حركة طارئة في الأمة ، فالطائفية : حالة طارئة لأنها تنفرد بالتعبير عن إرادة الشعب وقيمه وتستثمر ذلك لمصلحتها من أجل التحكم فيه ، من خلال تغليب الروابط السطحية على الروابط الساسية ،
والفئوية : حالة طارئة لأنها تغلب قوى الإنعزال على قوى الحياة ، أي إنها تعبير عن الضعف والتراخي ، ومتى غلب الضعف في الحياة طفت القشور على السطح .
والأمة العراقية لا يمكن ان تكون حركتها تبعاً لهذه الروابط والسلبيات كما لا يمكن ان تتصف حركتها بها ، كما إنه من غير الجائز ان تكون نظرة الأمة إلى القيم وإلى الواقع من خلال ذلك أو مستوحاً منه !! ولا يمكن كذلك ان تكون أو ان تقوم الحركات الفكرية أو الإجتماعية على الأمراض والعقد من الطائفية والفئوية والعنصرية .
إن الحركات والأحزاب التي تنشأ أو نشأت كرد فعل للأستبداد والسلبية هي حركات وتنظيمات سطحية ، لأنها لا تعبر عن إرادة الأمة وعن وعيها في الحياة الحرة التي ترنو إليها ، ذلك لأن وجود تلك الحركات مرتبط بالجانب النفسي من الأشمئزاز والأمتعاض والخوف وهذه الحالات آنية ولا تعبر عن حقيقة الحياة ، لذلك فلايكتب لهذا النوع من التنظيمات الدوام والإستمرارية .
ونظرة واعية لبرامج هذه الأحزاب وهذه الحركات يُدلنا من غير ريب عمق هذه السلبيات وتاصلها في عقل وثقافة تلك الحركات ، لكن هذه النظرة التشاؤمية تخص تلك الحركات وقادتها ، وأما الشعب فلايمكن ان يكون بهذه السطحية والسلبية ، ولذلك تبدو إستجابته لتلك الحركات بعد التحرير إستجابة متفاوتة ، وهذا عامل مساعد في كون الشعب ليس بآلة يمكن تحريكها وفق الرغبات والأمزجة .
فالشعب حين شارك بالإنتخابات ومجمل تبعات العمل السياسي لم يكن في ذلك يتحرك وفق الأهداف المقيدة لتلك الحركات ، ولم يتقيد بشعاراتها التحريضية ، ولكنه سعى لتحقيق النمو والتقدم وصُنع مجتمع العدل والحرية والسلام .
فثمة فرق بين مايُريده الشعب وما تريده تلك الأحزاب والتنظيمات ،
فالأحزاب الدينية مثلاً : هي فكر موجه بروح سلبية تجاه الآخر ، وبرامجها في العادة عبارة عن مزيج من التجييش والكراهية والخوف والنبذ الطائفي والكثير من تلك العواطف السلبية ، والشعب حين يتبعها لا يتبعها من حيث هي منظمات متخلفة ، بل يتبعها من خوف ومن دافع سيكيولوجي شديد الإلتصاق بمبدأ الثواب والعقاب والجنة والنار ، ولو تعمقنا أكثر لوجدنا روح الإستجابة للعصور المزدهرة التي مثلتها القيادة الدينية التي حققت نوع من التوازن في مقابل الآخر المُختلف .
والليبرالية الديمقراطية تثق بجوهر الشعب وبوعيه وحرصه على العمل الإيجابي الدافع للعمل السلبي وللأفكار السلبية ، ومن تتبع حركة الليبرالية يستطيع ان يحكم أو يلاحظ مدى الإصرار على ملاحقات قوى الأمة الطبيعية والتي تساعد في تدعيم قوتها وقدرتها ، وإن تطلب ذلك السماح والتجاوز عن بعض السيئات التي تخلقها قوى السلطة والنماذج القديمة التفكير ، ونحن كغيرنا من أبناء الأمة نشعر بان الحل والإنتقال للمرحلة التالية لم يأت بعد ، ولذا نحن في إنتظار ، وإيماننا بان الكلمة النهائية هي للأمة وللشعب وهذه الكلمة قادمة حتماً .
لذلك نحن نتطلع لمرحلة تعلو فوق هذا التقسيم السيء للمجتمع وللدولة ، وبأننا لن نرضى ان نكون عبارة عن رد فعل للعبث والتخلف الذي تزرعه قوى الظلام والجهل ، بل جعلنا هدفنا مرتبط بتأسيس عراق جديد خالي من القتل والكراهية والعنف عراق منفتح على الجميع ، وكنا نقول في غير مناسبة : إن إيماننا بالوطن الواحد لا يعلو عليه شيء ، وكنا نرى بان الخطوة المنشودة لم تأت بعد أو لنقل لم تظهر بعد ، تلك الخطوة التي تتجاوز الضعف والتخلف والإنغلاق وضيق الأفق ، فالعراق بحاجة لنا في توحيد صفوفه وتوحيد لغة خطابه ونظرته للمستقبل ، لكي تطمئن نفوس ابناءه وتعمل لتحقيق منظومة القيم في - العدل والحرية والسلام - آخذين بعين الإعتبار حاجات الشعب وتطلعاته للغد الجديد .
كما يجب تنبيه الأمة إلى خطر الأستئثار بالسلطة من قبل فئة قليلة وكبح قوى الحرية تحت مظلة سيادة القانون الغير مفهوم حتى اللحظة ، إننا منذ بداية التأسيس شعرنا بالحاجة إلى إيجاد صيغة ترتقي بواقع الشعب وحال الأمة ، بحيث لا تضطرها لنكران هويتها الوطنية ولا الإبخاس من عمقها الحضاري ، فتفقد في ذلك سيادتها وكرامتها وحريتها ، ولكي نواجه الحقيقة علينا الإعتراف بان ما حولنا من دول الجوار لا تحمل أية شعور بالمسؤولية تجاه شعبنا وأمتنا ، وإن ما يهمها ان لا تصل إليها رياح التغيير التي بدأت في العراق ، كما يجب التنويه إلى جماعات الظل والإنتهازيين الذين يتقلبون في اليوم ألف قلبة ، وفي هذا خطر على كيان ومستقبل العراق القطري ..
كما يجب التعريف بان الفرق بين - الليبرالية الديمقراطية - وبين غيرها هو فرق بين من يعطي الحق وبين من يتاجر به ،
فأهداف الليبرالية الديمقراطية لا يمكن ان توصف ككونها علاج لحالات طارئة ، بل يجب النظر إليها كتعبير لحل دائم لواقع مريض ، والحاجة إلى ذلك حاجة مستقلة بذاتها لتحرير سلطة الإقتصاد من قوى الرأسمالية والبرجوازية الجشعة وتحرير ثقافة وفكر المجتمع وأمنه وسياسته من سلطة الحزب الواحد والأستبداد وكل مظاهر الدكتاتورية .
مركز الدراسات والبحوث في
الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي
0 5 - 03 - 09