الليبرالية والنيوليبرالية في الواقع
يحظى المفهوم أو التعريف الذي تقدم به الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي بالكثير من المصداقية في الأوساط العلمية وغدى ذلك التعريف هو العلامة التي تحدد وتضبط ماتعنيه الليبرالية في اللغة والإصطلاح ، كما يمكن إعتبار ذلك التعريف هو السائد اليوم خاصة في ظل تفاوت المفاهيم حول الليبرالية منذ سقوط جدار برلين ونهاية حقبة النظم الشمولية وحاكمية الحزب الواحد ،
وأعني بذلك الفترة التي تمخض عنها ولادة نظام دولي جديد في السياسة والإقتصاد والثقافة ، فالليبرالية كما عرفها ميثاق الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي : هي وعي إجتماعي يستهدف حماية الإنسان والدفاع عن حقوقه بما يحقق سعادته وتطوره وتحقيق رغباته ، وهي بهذا اللحاظ تجعل من مفهوم الليبرالية كديالكتيك متطور يتبع نظام السيرورة الإجتماعية التي تخضع بالضرورة للتطور المعرفي للمجتمع ، ولذلك نحن منذ البدء كنا قد أشرنا إلى إن ظاهرة الليبرالية الجديدة هي حركة وعي مستمر غير منفصل ، وهنا نحن إنما نؤكد على أصل الليبرالية في نشأتها الأولى وتكوينها العلمي والموضوعي والفلسفي ولا ننفي بينها وبين منظومتها القيمية الجديدة ، بل نريد التأكيد على الواقع الموضوعي الجدلي الدائم الصيرورة لها باعتبارها نظام في السلوك والتربية والثقافة والحياة ، وهو نظام لاينفك عن الواقع وبما ان الواقع يتطور بفعل آليته الداخلية فلذلك تتطور الليبرالية في وعي الناس حسب تطورهم المعرفي وهذه الجدلية كما قلنا ترتبط أرتباطاً موضوعياً بين قدرة الحافز العلمي على صنع الواقع وبينها كسلوك إجتماعي عام ، وهنا يبدو إن الظاهرة الليبرالية لاتنفصل عن مثيلاتها من الظواهرالعلمية والموضوعية التي تتحكم بواقع الناس الحياتي ، فكتاب الله إيضاً لم يغفل هذا المنطق بل أشار إليه من خلال قوله : [ كل يوم هو في شأن ] والحديث هنا عن الله عن الذات التي ليس كمثلها شيء وعن الموضوع في الخلق والتكوين ، ومعنى ذلك تأكيد الله على معنى التطور الذاتي والموضوعي الحاصل وهو تطور في أصل النظام وليس إختراقاً لقوانينه بل هو نظام سنني تفرضه قوانين العلة والمعلول المطلقة ، وميكانيزم التطور المشار إليه هذا ليس فجائياً بل هو دفعياً يأخذ بعين الإعتبار كل نظام الصيرورة في المادة بكل إجزائها وعناصرها ، وبما إننا نعتقد ان النظريات الفلسفية والسياسية والإجتماعية هي الأخرى تخضع بالضرورة لقوانين المادة ولاتنفصل عنها لذلك فان منطق التطور الذي يجري على المادة يصيب تلك النظريات بدرجات حسب تطور الوعي وأدوات المعرفة المحسوسة ، وهنا نحن نعتقد بان النظرية الليبرالية قد تطورت موضوعياً وقيمياً حسب تطور الواقع هذا و يظهرذلك في تبدل آليات ومنطق الخطاب الليبرالي الجديد والمعاصر ، ولما كانت الحرية في زمن نشوء النظرية الليبرالية هي الحاجة أو هي المطلب للتحرر من هيمنة الإستبداد والنظم الدكتاتورية فقد كان تعاطي منظروا الليبرالية القدامى حسب ذلك الواقع السائد ومن وحي هيمنة الفكر الملوكي الذي يلغي الأخر ويمنعه الحياة في ظل فهم أحادي ، ولهذا جاء خطابها العام منسجم مع تلك الرؤية ، ومع مرور الزمن وتعدد المشكلات الإجتماعية وما أصاب الحياة من تدافع سلبي كان لابد من تطوير أدوات وآليات العاملين في الحقل الليبرالي والداعين له ليكون ذلك قادراً على سد الفجوات والإجابة عن الأسئلة وحلاً لتلك المشكلات ، ولهذا تفاوت حجم ومدى الحس الليبرالي حتى لدى المجتمعات التي أنتجت ونادت بالليبرالية خياراً وحيداً في مجالي السياسة والإقتصاد ، وهنا يخطأ من يظن ان الليبرالية هي نظام واحد من القواعد الجامدة أو بأنها غير قادرة على فهم الواقع إلاّ من خلال المجتمعات التي نشأة فيها ، وهذه الرؤية كما نرى ساهمت في الحد من نشاط الليبرالية وتناميها وقد روج لهذه الرؤية ليس فقط أعداء الليبرالية من القوى والمنظمات الراديكالية واليمينية المتطرفة وحدها بل وحتى من أنصار الليبرالية ومروجي أفكارها ويأتي ذلك من خلال عدم التفريق بين التعريف المعجمي لليبرالية وبين القيم الليبرالية التي ان دققنا بها سوف لن نجد ما يؤدي إلى هذا الإعتقاد ، ومن هنا يمكن إعتبار ملاحظات الطيب بوعزة في هذا المضمار وجيه من باب الإشارة إلى عقم خطابات من يدعون بولائهم لليبرالية أو ممن يظنون بان الحل في الليبرالية من وحي التعريف المعجمي لها فقط ، ولقد بادر الحزب الليبرالي منذ نشأته الأولى إلى التمييز بين منطق التاريخ في فهم محتوى الليبرالية ومضمونها وبين منطق الليبرالية الفلسفي والإيديولوجي الإحتماعي الذي يدمج بين الوعي الطبقي ومنظومة القيم معتبراً بأن الحرية بمفردها لاتحقق المعجزة ولهذا مال للتوكيد على عناصرها الناظمة لها من خلال الوعي المجتمعي لمعنى العدالة والوعي المجتمعي لمعنى السلام معتبراً هذا التماهي ليس سلوكاً إستاتيكياً بل فلسفة حياة بديلة حين تطغى مقررات التاريخ بكل عقده على الواقع الإجتماعي ، لهذا تحاول الليبرالية في وعيها الجديد عمل موازنة جامعة وغير طاردة في سياق تحرير عملية النمو والتطور ككل ، ومن هنا فيجب الإعتراف بتراكم الوعي الليبرالي أعني بذلك الإعتراف بمنطق الربط الجدلي بين مبادئ الليبرالية القديمة ومنظومة القيم لدى النيو ليبرالية أو الليبرالية المحدثة ، والربط هذا تستخدمه كل الفلسفات والنظريات التي تمتلك قدرة في ان تكون حاضرة لبناء الحياة وتطويرها ..