تقديم: يعتبر أرسطو هو أول من وضع أسس علم المنطق،وهذا الفعل هو الذي ميزه عن سائر أسلافه،و هنا يجدر بنا الذكر بأن أرسطو لم يبتدع علم المنطق أو اخترعه، وإنما وضع قواعده و أوجد أسسه ونظمه حتى ظهر بالشكل الذي أصبح معروفا عليه منذ أرسطو.
وقد جاء المنطق عند أرسطو كرد فعل تجاه الفوضى العارمة التي كان يعيشها العقل اليوناني. ويعني المنطق عند أرسطو ذلك"الفن و الأسلوب الذي يساعدنا على تصحيح تفكيرنا"(1). ويرى أرسطو أن المنطق هو آلة العلوم أو هو علم جديد موضوعه صورة العلم لا مادته،ويبحث في أفعال العقل من حيث الصحة و الفساد،ومن المعلوم أن أفعاله ثلاثة:أولها التصور الساذج ،وثانيها الحكم أو تركيب التصورات وتفصيلها،وثالثها الاستدلال. وهكذا فقد جاءت ثلاث كتب أرسطية توضح هذه المسائل الثلاث، وهي:كتاب المقولات الذي يدور حول الأمور المتصورة تصورا ساذجا وكتاب العبارة الذي يهتم بالأمور أ و الأقوال المؤلفة،وكتاب التحليلات الأولى وهو يهتم بالاستدلال. ونحن ما يهمنا في عرضنا هذا هو البحث في كتاب المقولات.وفي هذا الكتاب وضع أرسطو المقولات العشر،وهي قوانين المفردات من المقولات والألفاظ: 1الجوهر،2 الكمية،3 الكيفية،4 الإضافة،5 المكان،6 الزمان،7 الوضع،8 الملك،9 الفعل،10 الانفعال(2). وهذا التقسيم الذي وضعه أرسطو إن دل على شيء فإنما يدل على أنه يريد أن يكون واضح التفكير.إن هذه المقولات هي محمولات القضية أو هي أمور مضافة أو هي معنى كلي يمكن أن يدخل محمولات في قضية.والجوهر لا يتجاوز هذا التعريف. هذا الأمر يدعونا إلى التساؤل حول ماهية المقولات،هل هي ذات طبيعة عملية أم ذات طبيعة نظرية ؟ وإذا كانت ذات طبيعة نظرية، فما هو الأساس النظري الذي تتأسس عليه هذه المقولات؟ ونلاحظ هنا أن أرسطو لم يختلف كثيرا مع أفلاطون حين رأى الحقيقة الثابتة في الصورة،ولكن اختلف معه حينما لم يجعل للصورة عالما منفصلا.ورأى أن ماهية الإنسان هي أكثر حقيقة من سقراط وأفلاطون ولكنها لا توجد إلا بهما(8). وقد قسم أرسطو الجواهر إلى قسمين اثنين: جواهر حسية: منها ما هو قابل للزوال والفساد كالأجسام الطبيعية،ومنها ما هو أزلي غير قابل للفساد غلا أنه قابل للحركة المكانية،وهي الأجرام السماوية وعنصر بسيط هو الأثير الذي هو طبقة هوائية شفافة. جواهر مفارقة: وهي التي لا حركة لها،إن أرسطو وان منع وجود مثل للجواهر المحسوسة،إلا أنه لم يستطع أن يمنع نفسه من القول بوجود بعض الجواهر المفارقة للمادة. وهي كالتالي: الله وهو المحرك الذي لا يتحرك. العقول التي تحرك الأفلاك السماوية. العقل البشري الفاعل(النفس التي قد توجد مفارقة للجسم انحلاله)(9). على أنه داخل العلوم النظرية التي سبق وذكرناها يفضل أرسطو العلم الميتافيزيقي على العلوم النظرية الأخرى.فالتفصيل بين العلوم كان من الاهتمامات الأرسطية وخصوصا داخل العلوم النظرية، فالمفاضلة عند أرسطو تقوم على أساسية عمومية المبادئ التي يستخدمها العلم ومدى صوريتها،وعلى هذا الأساس تبدو الميتافيزيقا هي أول العلوم لأنها علم بأعم المبادئ. سبق وعرفنا المقولات وانتهينا إلى أنها هي الجوهر أو الماهية، وأرسطو يستخدمها للدلالة على الجواهر الجزئية المفردة. وهي في الواقع الاسم المجرد المكون من الفعل اليوناني(يكون). يمكن أن نقول بأن ترجمتها الحرفية تعني الوجود. لهذا بحث أرسطو عنها في "الميتافيزيقا" من ناحية دلالتها الوجودية.كما بحثها في المنطق من ناحية دلالتها الحدية(5). فهو يعرف الجوهر على أنه أول وثان،الأول هو الجزئي الموجود في الواقع وهو الذي لا يضاف إلى موضوع،وليس حاصلا في موضوع،مثل سقراط .والثاني هو النوع والجنس،أي ما يعبر عن ماهية الجوهر الأول وهذا الأخير هو الجوهر الذي هو مقولة(6). علما بأن الجوهر هو أساس المقولات الأرسطية،وأهمية الجواهر أنها تصبح موضوعات في القضايا المنطقية.ولذلك فالبحث عن الجوهر الحقيقي هو البحث عما يجب أن يكون موضوعا للقضية المنطقية.فمن هذا يبدوا التطابق بين حالة الفكر والكلام،وبين ما هو موجود فعلا في نظام الطبيعة،وهذا ما بدا تماما في بحث أرسطو عن الجوهر في الميتافيزيقا.ويتلاءم هذا تماما مع ترتيبه للجواهر الكلية حيث يكون أفضلها الجوهر النوعي (7). وبعد أن ينتهي أرسطو من تعريف الجوهر وتحديد خصائصه في بحثه في المقولات،نجده يبحث عن وجوده وأنواعه في الميتافيزيقا كما يبحث عما يمكن أن يتصف من الموجودات بأنه جوهر.ويخلص إلى أن ما يستحق هذا الوصف هي الصورة أو المركب من مادة وصورة كيف ذلك ؟ يعتبر أرسطو بأن الجوهر هو الموجود الحقيقي وبأنه أول الموجودات لذلك كان البحث في ماهية الجوهر من أهم موضوعات الفلسفة الأولى،والجوهر هو أحق المقولات باسم الوجود. أما التسع الباقية فلا تسمى موجودات إلا بالتبعية،لأنها حالات للجواهر ،وهو سابق عليها .وحدد أرسطو الجوهر بأنه كل ذات ليست في موضوع ولا تسند في موضوع أو هو قائم بذاته.ويطلق الجوهر على الصورة،وعلى الهيولي وعلى المركب من الهيولي(المادة)والصورة. أقسام المنطق: للمنطق حسب أرسطو جانب نظري علمي،وجانب عملي تطبيقي.وهو يكون ذو بعد نظري أو عملي حسب الغاية التي يرمي إليها.فالجانب العملي يرمي إلى تدبير الأفعال الإنسانية...وهو يدير أفعال الإنسان بما هو إنسان من ثلاث نواح. في شخصه وهو يقصد البحث في الأخلاق.وفي الأسرة ويقصد به البحث في تدبير المنزل،وفي الدولة ويقصد به البحث في السياسة.والمنطق هنا فن فهو تدبير ونظام و أسلوب فكري يسعى منه أرسطو الإتقان و الدقة والانسجام.(3). أما العلم النظري عند أرسطو إنما يدرس ما لا يمكن أن يكون خلافا لذاته.ولا يهدف إلا إلى الحقيقة.وهو يهتم أساسا بعلم الطبيعة الذي يدرس ماهو مفارق للأشياء ولكنه قابل للتغير.والرياضة التي تدرس مالا يتغير من الأشياء ولكن ليس له وجود مفارق،والفلسفة الأولى(الميتافيزيقا)تدرس ما يتصف بأنه موجود على نحو مفارق وبأنه لا يتغير على حد سواء وهذا العلم النظري ينتهي إلى كجرد المعرفة. والعلم النظري حسب أرسطو هو أشرف وأسمى وأعظم لأن كمال العقل أسمى قوى الإنسان.ولأن هذا العلم في مذهب أرسطو هو غاية بذاته،ولأن العلم للعلم لا لشيء آخر. إلا أننا في هذا الجانب النظري نجد أن أرسطو وقع في مفارقة مفادها، أن وضع أرسطو للعلم الطبيعي ضمن العلوم النظرية يحدث نوعا من الخلل داخل النسق النظري الأرسطي،وذلك لأن العلوم الطبيعية يجب أن تكون تجريبية وليست نظرية.إلا أن أرسطو يبرر هذا الموقف حيث نجده يستدل بقوله بأن العلوم الطبيعية،يجب أن تكون علما نظريا لأنها تقوم على التسليم مسبقا بافتراض الحركة والمادة في موضوع بحثها(4). بعد ذلك ينتقل أرسطو إلى الحديث عن الضرورة في العلوم النظرية،وذلك من خلال إقراره بأن الضرورة في الطبيعيات هي بحث في المادة ،وفي الرياضيات هي بحث في المسلمات،وفي الميتافيزيقا هي بحث في الجوهر. هنا يمكننا التساؤل حول طبيعة الجوهر الذي يمثل موضوع البحث الميتافيزيقي.وبأي معنى يصبح الجوهر هو أساس البحث الميتافيزيقي؟