يبدو أننا مضطرون أن نوضح ما جاءت به مقولة التوسط والخير العام عند أرسطو . لأنه أستطاع أن يحوله من علم محاورة إلى علم محاضرة . ومن المنهج الياسي إلى المنهج الأستقرائي . ولهذا قد يعتبر كتابة في السياسة من الكتب المنوطة باهتمام خاص . ولهذا فقد عبر عنه زيللر بأنه ؛ كنز أتانا من الثقافة القديمة . وهو أعظم مساهمة حصلنا عليها في حقل السياسة ,
, والواقع أنك تحس أن أتجاه أرسطو في السياسة . كما هو دأبه في العلوم . يتجه في المعرفة عن طريق علم الحياة . على عكس افلاطون . الذي يتخذ من الرياضيات سبيلاً للمعرفة . والظاهر من البحث الأكاديمي أن الرياضيات تجريديات قياسية كلية . واما علم الحياة فهو علم يختص بالجانب العضوي من الكائن الحي . ولهذا جاءت تصورات أرسطو في السياسة أدق لأنه عني بالتجريديات وأضفى عليها عبر الجزئيات الحية المحسوسة , ولعلك تتفق في ما ذهب إليه ماكلين في وصفه لمنهج أرسطو الذي يقول فيه : أن فضل أرسطو الأكبر هو في تطبيق المناهج التي تصطنع في بحث الطبيعة على الساسة . إن المنهج الأستقرائي الذي أتبعه أرسطو تجد ملامحه واضحة حينما تطالعك تلك العبارات الخاصة بنشؤ الدول , ومع كونه كذلك فلم يستغن عن المنهج القياسي الذي سار عليه أستاذه . ومع أنه يحاول أن يجمع بين المنهجين بملاحظة الوقائع ليصنع منهجاً تجريبياً له خصائص ديناميكية لرجل السياسة والباحث المتشرع في هذا العلم . إنك ترى أن أقصى ما يرمي إليه العلم السياسي في عصرنا الحاضر هو تطبيق مناهج العلوم الطبيعية في دراسة الظاهرة السياسية . لتكون كما هي النظريات الطبيعية . ومهما كان البحث حول المفهوم التجريبي الذي حاول أرسطو تطبيقه بالخصوص في دراسة القوانين الإساسية إلا أنه ظل متأرجحاً بين المنهجين الأستقرائي والقياسي في كتابه السياسة . مع أنه ذو منهج تجريبي صرف في دراسة الدستور . لأنه يحل العدالة النسبية محل العدالة المطلقة , ولكن هذا البحث لايظل ملازماً له . إذ سرعان ما يختفي ذلك المنهج ويعود إلى طريقته الأستقرائية . وقد شن أرسطو حملة على أكثر الكتاب الذين تكلموا عن السياسة فقد قال أنهم ؛ قد أخطأوا مواطن النفع . وإن أصابوا في أعتباراتهم الأخرى . إذ يفرض النظر لا في السياسة الفضلى فحسب . بل في السياسة الممكنة أيضاً . كما يفرض النظر في السياسة التي هي أوفر شيوعاً والتي يمكن تطبيقها لدى الجميع . وأما الأن فالبعض يقصرون بحثهم على أرقى السياسات التي تتطلب تكاليف كبرى , والبعض عندما يعنون بسياسة أعم يقضون على السياسات المرعية . ويطرون السياسة الكونية أو سياسة أخرى .ومع أن أرسطو قد أظهر العلم السياسيي كمادة بحث لها تصنيفها العام ضمن العلوم التي أقرها . فهي عنده أما نظرية أو عملية أو انتاجية . مع تحديد كل واحدة منها حسب غايتها التي تفرضها طبيعته . وقطعاً ما يتعلق فيها بإدراك الحق أو المعرفة النظرية أو القيم الإنتاجية وبالتالي فهي تخص خير الإنسان . ومع أن نتائج العلوم النظرية حقائق مطلقة فهي عند العملية حقائق تقريبية . ولا يجري البحث فيها عن الحق لذاته . بل عن الحق المؤدي لخير الإنسان وسعادته . وقد تلاحظ أن أرسطو قذ يدمج السياسة بعلم الأقتصاد . وهذا ما تراه في نظرته تجاه العلوم الإنتاجية ؛ ولقد أبدى أهتمام قبل للتوجه في علم السياسة لآنه علم يوجب تحسين السلوك الأنساني ويبقى في تصوره , الإنسان عاجز عن الوصول إلى تلك المرتبة دون وعي تام بالفلسفة الأنسانية . ولهذا ترى تعليله قائم على علم المشروع بالسياسة ويقول ؛ إن القوانين يمكن أعتبارها تطبيقات أو نتائج محسوسة لعلم السياسة . وقد ترك الذين جاؤوا قبلنا موضوع التشريع بدون بحث . ولذلك يحسن بنا أن نتولاه بالبحث . وأن نعالج موضوع البوليتي بكامله . بحيث نكمل ما وسعنا ذلك بحث الفلسفة الإنسانية . فلننظر أولاً في أقوال أسلافنا في الموضوع . ولنتبين بعد ذلك من دساتير البوليتي التي جمعناها . الأشياء أو الدساتير التي تحفظ الجماعات أو تذهب بها . ولنستكشف اسباب الحكم الفاسد فنصبح بذلك أقدر على معرفة نوع الدستور الأفضل ونوع الأنظمة والقوانين والعادات الأفضل لكل دولة . وقد توضح طريقة أرسطو في مبادئ السياسة والدراسة المقارنة التي يتبعها في البحث السياسي . فهو يجعل السياسي منفتحاً بأتجاه الأصح حول البنى والقواعد والأسس . فيما يخص الهيكل التنظيمي للدولة . ويدعوه لاختيار أصلحها على أن تكون قاعدة الأختيار قائمة على اصالة المعرفة بمختلف أتجاهات المنتظمات السياسية ويقول ؛ يترتب على رجل السياسة أن يشير على الدول بنظام سياسي يسهل عليها أن تقنع به وتستطيع أن تقنع به . وتستطيع الجري عليه بسبب العناصر الموفورة لديها . نظراً إلى أن أصلاح دستورلايتطلب عناء اقل مما يتطلبه وضعه مباشرة . كما أن الأعراض عن معرفة شئ طمعاً في تعلمه على غير وجه ؛ لا يقل عن تعلم ذلك الشئ لأول مرة . ولذا يتوجب على السياسي فضلاً عما ذكرنا أن يتمكن من أسعاف السياسات القائمة . وهذا أمر يستحيل على من يجهل انواع الأحكام السياسية وتعدد تلك لأنواع . ومن ثم يفرض على السياسي أن لايجهل كم هي فوارق السياسات وعلى كم من الأوجه تأتلف فيما بينها . ولا بد من أن يضيف إلى هذه المعرفة الأطلاع على خير الشرائع والعلم بالتيي هي أنسب لكل من الأحكام السياسية , إن المقارنة بين المنتظمات السياسية متوقف على المعرفة السياسية القائمة على ملاحظة أوجه الأختلاف والتشابه في ما بينها . ولعل أرسطو حينما حدد ملامح التعدد السياسي للمنتظمات . أراد ان يوجه العناية إلى عوامل ذلك التعدد فيشير على وجه الخصوص العامل الأقتصادي ويرتب أثره في مقولته ؛ أما سبب تعدد السياسات فهو كون كل دولة مركبة من عناصر كثيرة العدد . إذ أننا ترى أولاً أن الدول كلها تتألف من أسر . ونلاحظ بعد ذلك أنه لابد من أن يكون قسم من ذلك الجمهور موسراً وقسم آخر معسر وقسم متوسط الحال !!! ــــــــــــــــــ المصدر : رسالة في التوحيد والسياسة المؤلف : الشيخ الركابي مؤسسة البلاغ بيروت 1988