عندما كتب- جون لوك - عن مفهوم الشراكة في الحكم والمساواة في الحياة الإجتماعية ، أنطلق في ذلك من مقولته الشهيرة عن معنى الحرية وقدرتها على خلق المستقبل الصالح لجميع البشر .
وهذه الدعوة جاءت من أهم أقطاب فلاسفة النهضة وقادة الفكر الليبرالي ،
وهي تتحدث عن المستقبل وكيفية البناء المجتمعي والأممي ، ويمكننا نحن إشتقاق هذا المعنى وتوظيفه في حياة العراقيين الذين عاشوا سنيين طوال من القمع والأستبداد تحت سلطة دكتاتورية متخلفة وبدائية ، وللأسف لم تساعدهم عملية التغيير السياسي في النمو الذهني والتوجه نحو الديمقراطية كثقافة وكوعي إجتماعي ، ولم تكن الفترة اللاحقة وما تعاقب على العراقيين من حكومات محلية هشة جادة في صُنع ثقافة الديمقراطية ووضع الأسس المنطقية لبناء الدولة ولبناء المجتمع ، ويمكننا القول من دون تحفظ : إن تلك الحكومات لم تستطع خلق الروح المناسبة التي يمكنها تنمية مفهوم الديمقراطية كسلطة شعبية حرة ملتزمة بالقانون ، بل تنامى في أذهان البسطاء من الناس إن الديمقراطية هي حكم الأكثرية من حيث هي ، وإن أدى ذلك لسيادة النزعة الفاشية والعنصرية والإنعزال .
نقول: هذا والعراق على أبواب إنتخابات محلية وبلدية أشترطت المفوضية العامة ، ان تكون نزيهة وخاليه من كل مظاهر التدثر والتخفي بلحاف المرجعيات الدينية والرموز والمساجد والحسينيات ، وأشترطت المفوضية التوجه المباشر للشعب وعرض الأفكار و البرامج التنموية عليه ، وخلق روح المبادرة الخلاقة للإنتقال بالعراق من حالته المريضة إلى روح التعافي والبدء بالخطوات التي تعجل بالفعل بدحر كل معوقات الوحدة والتنمية والبناء والأحساس بقيمة الوطن .
هذه الأشياء هي المطلوبة من جميع المتنافسين في هذه العملية الإنتخابية ، وليس تكرار مهازل الجولات الإنتخابية السابقة ، هذه الشروط كما إنها موضوعية كذلك فهي كفيلة بالخروج بالعراق من حال التدني والضعة إلى ما يمكن ان نسمية الخطوة الممكنة بالإتجاه الصحيح ، لكن هذه الشروط ولنقل هذا القانون تعارضه أطراف تشارك في العملية السياسية من خلال التدثر بعباءة المرجعية وظلال الدق على وتر الطائفية ، لأنها تعلم - أي هذه الأطراف - إنها لا يمكنها العيش من غير هذا التضليل ومن غير هذا اللعب على مشاعر وعواطف الناس البسطاء .
والحق يقال : إن الشعب ما عاد كما كان في الأول بعد ما رأى كيف تعيش هذه الأطراف ؟ وكيف تتحايل بأسم الدين وهي تمتص قوت المساكين ؟ وبعدما شاهد الجميع كيف يُستغل الدين وخطابه الديني في أغراض خبيثة ؟ والناس جُل الناس اطلعوا وبدرجات متفاوتة ، كيف يستغل البعض مراجع الدين في حاجاتهم الخاصة ؟ .
وصار حديث الكافة قولهم : إن الظلم ملة واحدة والغش والتدليس والسرقات والضحك على الذقون هو نفسه واحد في حال الديكتاتورية المهزومة ، وفي حال من يدعي إنهم القريبين من الله ، الذين يدنسون الأماكن بالكلام عن الزهد وعن العيش الكفاف ، وعن علي – ع – وكيف كان يعيش ؟. فالتجربة والبرهان أثبتت للناس شراهة ونهم وتفنن البعض بالسرقات والسطو وقتل الناس خلسة على الظنة والتهمة .
وأثبتت التجربة إن فاقد الشي لا يعطيه وأعني إن كل من يتدثر بلحاف المرجعيات لا يمتلك مشاريع مستقلة يمكن تقديمها للشعب كي يطلع عليها ، وثبت كذلك إنهم ليس بمقدورهم التقدم للشعب بتعريف مستقل ومواجهة مباشرة مع الناس ...
فالديمقراطية تبدو عند البعض أستئثار وسطوة وتحكم واستغلال ، وهي الوجه القبيح للفاشية وتعني عندهم النفاق بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ، لذلك فالديمقراطية في مأزق وهي تعاني ولا بد للمجتمع الدولي القيام بواجبه من خلال تذكير البعض بثقافة الديمقراطية وبحاجة الساسة للألتزام بالقانون ، إن كانوا فعلاً مع التغيير ومع التوجه نحو المستقبل ، نحن لا نتهم أحد ولا نمارس ضغط عبر منظمات المجتمع الدولي بل نحن نشير إلى قدرة الفاعل الدولي على التغيير متى ما وجد ذلك مطلوباً ومُلحاً ومرتبطاً بكل العملية السياسية وأستراتيجيتها .
فالعراق اليوم هو - صفر على الشمال - كما يقول المثل الشامي ، فهو فاقد لمعنى الوطنية ومعنى الأستقلال وجيشه ليس سوى إنضباط عسكري ومهامه معروفة ، ولو طُلب منه شيء على قدر من الأهمية لن يكون قادراً على تنفيذه ، وهو في المجتمع الدولي ليس سوى دولة محتلة ليس لها من أمرها شيء ، وهو في الجامعة العربية إكمال عدة لا غير فلا يستطيع إتخاذ أي موقف ولا يمكنه البت في أية قضية ، وجماعته منهمكون في السرقات والتسقيط وكسب المغانم وكل ذلك على حساب الشعب المسكين ، من هنا تأتي دعوتنا هذه ليقف الجميع عند حده ويعرف ماله وما عليه فلقد طفح الكيل وضاقت أرض الرافدين بأهلها ، ولمن أراد عليه الإتعاظ قبل فوات الأمور ...