من الطبيعى أن تهتم جميع وسائل الاعلام العالمية بزيارة "كونداليزا رايس" وزيرة خارجية الولايات المتحدة لعدد من دول الشرق الاوسط واجتماعها يوم الثلاثاء الماضى فى منتجع شرم الشيخ المصرى مع وزراء خارجية ثمانى دول عربية هى مصر والاردن ودول الخليج الست حيث تجابه
إدارة الرئيس الامريكى "جورج دبليو بوش" مأزق السقوط فى العراق والفشل فى لبنان وعدم المصداقية فى التوصل إلى حل دائم للصراع الفلسطينى الاسرائيلي.
السقوط فى العراق
من الثابت عبر الاحداث اليومية التى تنقلها وكالات الانباء والفضائيات التليفزيونية من العراق أن الولايات المتحدة الامريكية وبعد أكثر من أربع سنوات من غزو العراق تجابه فشلا كبيرا فى تحقيق وعود الامن والاستقرار والديمقراطية وبالتالى خلق بيئة مواتية للتنمية والتقدم على ارض الرافدين حيث يعيش العراق الجديد فى تمزق وفى ظل غياب الامن فى بغداد ومعظم المدن العراقية الكبرى مع استمرار انفجارات السيارات المفخخة والعمليات الارهابية لتنظيم القاعدة التى تحصد ارواح الابرياء من العراقيين.. فى نفس الوقت الذى تستمر فيه عمليات المقاومة الوطنية المسلحة التى تستهدف وجود القوات الامريكية على ارض العراق.. ويمكن القول إن عمليات المقاومة الوطنية ضد الوجود العسكرى الامريكى على ارض العراق بات هو الامر الموجع والمأزق الذى لم تعد تعرف الادارة الامريكية كيفية الخروج منه حيث تعانى القوات الامريكية من نزيف يومى من القتلى والجرحى فى صفوفها وبشكل زاد من أوجاع اسر الجنود والمقاتلين الامريكيين فى العراق داخل المجتمع الامريكى وهو ما انعكس بتداعياته وتأثيراته فى تدهور شعبية الحزب الجمهورى وفقدانه للاغلبية داخل مجلسى الكونجرس "النواب والشيوخ" لصالح الحزب الديمقراطي..
كما أدى مأزق القوات الامريكية فى العراق وارتفاع خسائرها إلى تنامى حركات الاحتجاج المطالبة بضرورة وضع برنامج زمنى لانسحاب القوات الامريكية من العراق وتصاعد عمليات الشد والجذب بين ادارة الرئيس جورج بوش ومجلس النواب الامريكى الذى قرر بأغلبيته الديمقراطية ارجاء اعتماد ميزانية القوات الامريكية فى العراق إلى ما بعد العودة من العطلة التى قرر القيام بها وهو ما اثار الغضب الشديد لادارة الرئيس بوش. وعلى الرغم من أن "كونداليزا رايس" قد استبقت رحلتها إلى منتجع شرم الشيخ فى مصر بالاعلان عن منح مصر صفقات سلاح بنحو 13 مليار دولار خلال العشر سنوات القادمة فيما يعد تجاوزا لازمة حجب 200 مليون دولار من برنامج المساعدات العسكرية خلال العام القادم 2007/2008 وكذلك تقديم مساعدات عسكرية للدول الخليجية - مدفوعة بالتأكيد على أهمية دعم "حلفاء واشنطن" فى المنطقة فى مواجهة التهديدات التى تتعرض لها المنطقة من دول مجاورة فى إشارة إلى ايران وإلى تحالف ايران مع سوريا وحزب الله.
إضافة إلى ما سبق يبدو فى افق العلاقات البريطانية الامريكية مؤشرات لقرار بريطانى "مستقل" فيما يتعلق بالوجود العسكرى فى العراق حيث نقلت وكالات الانباء والفضائيات التليفزيونية يوم الثلاثاء الماضى أيضا تصريحات صحفية لرئيس الوزراء البريطانى جوردون براون ربط فيها وجود القوات البريطانية فى العراق بنصائح القيادة العسكرية البريطانية التى تقدمها لرئيس الوزراء أكثر من خضوعها للرغبات السياسية والتنسيق المشترك بين رئيس وزراء بريطانيا ورئيس الولايات المتحدة الامريكية وكما كان الحال خلال رئاسة رئيس الوزراء البريطانى السابق "تونى بلير" للحكومة البريطانية.
الفشل فى لبنان
ولا يقتصر مأزق السياسات الامريكية فى الشرق الاوسط فى السقوط والعجز الذى يحاصر وجود القوات الامريكية فى العراق ولكن المأزق يبدو أشد وطأة فى لبنان حيث حاولت الولايات المتحدة نصرة فريق لبنانى على آخر.. ولا يخفى أن الحرب الاسرائيلية على لبنان صيف 2006 والتى جاءت كرد فعل مباشر عجل بالمخطط الاسرائيلى الامريكى المشترك لضرب وتصفية القوة العسكرية الفاعلة للمقاومة الوطنية اللبنانية كان وراءها هدف استراتيجى هو نصرة أحد فريقى الصراع فى لبنان.. وكان واضحا فى أعقاب تنفيذ عملية "الوعد الصادق أن الولايات المتحدة تقف فى صف واحد مع اسرائيل ومع موقفها الذى اعلنه رئيس الاركان الاسرائيلى الجنرال دان حالوتس:" الجنديان الاسرائيليان.. فى مقابل لبنان كله".. ورغم العمليات الجوية الاسرائيلية والغارات التى استهدفت بيروت ومدن وقرى الجنوب والطرق والجسور وكل منشآت البنية التحتية والتى استمرت على مدى ثلاثة وثلاثين يوما فإن أكثر من 1400 صاروخ من صواريخ المقاومة الوطنية اللبنانية طالت كل المدن والمستعمرات فى شمال اسرائيل ووصلت حتى بلدة الخضيرة التى تبعد 20 كيلومترا فقط عن تل أبيب وذاق الاسرائيليون على أيدى المقاومة اللبنانية مشاعر الخوف والهلع وعرفوا النوم فى الملاجئ والهجرة إلى إيلات ومدن النقب بعيدا عن مدى الصواريخ اللبنانية – وهى أمور لم يعرفها الاسرائيليون طوال سنوات وحروب الصراع العربى الاسرائيلي.. وقد انتهت حرب صيف 2006 دون أن تسترد اسرائيل الجنديين الاسيرين ودون أن تقضى على القوة العسكرية للمقاومة اللبنانية التى أعيد بناؤها وتزايدت قدرتها القتالية ووصلت إلى أكثر من عشرين ألف صاروخ يمكنها أن تطول أيّ مكان داخلاسرائيل وهو أمر يقلق امريكا بنفس الدرجة التى يقلق بها قادة اسرائيل الذين لم يسبق لهم أن واجهوا تهديدا مثل هذا من أيّ من الجيوش العربية النظامية طوال سنوات وحروب الصراع العربى الاسرائيلي.
حل الدولتين.. هل يتحقق؟
لقد أكدت "كونداليزا رايس" وزيرة الخارجية الامريكية فى المؤتمر الصحفى الذى عقدته عقب لقائها مع وزراء خارجية الدول العربية الثمانى "أصدقاء واشنطن وحلفاؤها"على أهمية المؤتمر الدولى الذى دعا إلى عقده الرئيس الامريكى "جورج دبليو بوش" قبل أيام وإعادة التأكيد على أن أساس عقد هذا المؤتمر هو تحقيق سلام دائم على أساس دولتين اسرائيلية وفلسطينية تتعايشان جنبا إلى جنب.. وقد تناولنا فى مقال الاسبوع الماضى ما نتصور أنه بواعث أمريكية وراء تلك الدعوة فى إطار ما يراه المراقبون والمحللون متغيرات استراتيجية هامة تدفع بالادارة الامريكية إلى ضرورة التحرك الايجابى فى طريق وضع حد لهذا الصراع.. وقلنا إن أول هذه المتغيرات بروز ايران كقوة اقليمية وعسكرية واستراتيجية وعلمية ولاعب اساسى فى معادلات الامن والاستقرار بالمنطقة لا يمكن تجاهله.. بدليل أن الولايات تجرى مباحثات مباشرة مع ايران عبر سفيرى الدولتين فى بغداد ليس فقط من أجل تحقيق الامن والاستقرار فى العراق ولكن من المؤكد أن الحوار يمكن أن يمتد ليشمل الامن والاستقرار فى منطقة الخليج الحيوية وذات الاهمية البترولية والتجارية للمصالح الامريكية والاوروبية واليابانية.. وإن فشل الولايات المتحدة واسرائيل فى محاصرة وتحجيم البرنامج النووى والصاروخى لايران فى نفس الوقت العجز عن القيام بأى عمل عسكرى ضد ايران نتيجة للخسائر الضخمة التى يمكن أن تلحق باسرائيل والمصالح الامريكية فى الخليج من جراء رد الفعل الايرانى على هذا الهجوم هو أحد الدوافع للقبول بقناة الحوار والتفاوض عبر سفيرى الدولتين فى بغداد. كما تحدثنا عن سقوط المشروع الامريكى فى العراق وارتفاع تكلفة هذا الوجود إلى درجة أن وكالات الانباء نقلت صورة لأحد المتظاهرين فى الولايات المتحدة المعارضين للوجود العسكرى فى العراق حمل لافتة مكتوبا عليها: "إن تكلفة يوم واحد فى العراق تكفى لبناء 84 مدرسة فى مدن الولايات المتحدة"..
أضف إلى ما سبق الخسائر الامريكية البشرية هناك وبشكل أثّر كثيراعلى شعبية الرئيس بوش والادارة الجمهورية.. يضاف أيضا إلى ما سبق قوة المقاومة الوطنية اللبنانية وانتصارها التاريخى على اسرائيل والولايات المتحدة فى حرب صيف 2006 وقلنا عن يقين إن الولايات المتحدة ومن خلال طرح فكرة عقد المؤتمر الدولى تحاول أن تسحب البساط من تحت أقدام من يستغلون الورقة الفلسطينية كمجرد أداة فى لعبة الصراعات والمصالح فى الشرق الاوسط.. ولكن لا يبدو فى الافق أية آمال أو مؤشرات على إمكانية أن يحقق هذا المؤتمر نجاحات تذكر – إذا ما انعقد.. ولا نعتقد أن فى الآفق ما يبعث على الامل بأن رئيس الولايات المتحدة الامريكية "جورج دبليو بوش" عاقد العزم على أن يسجل انتصارا ومجدا تاريخيا لنفسه بممارسة ضغط ايجابى على اسرائيل للقبول بحل نهائى متوازن للصراع العربى الاسرائيلي.. لانه لا توجد سوابق تبعث على هذا الامل فى ظل عدم المصداقية التى اتسمت بها مواقف الولايات المتحدة من السلام العادل فى المنطقة طوال سنوات وعقود الصراع العربى الاسرائيلي.