من الواضح ان الأميركيين قد اعتمدوا في المرحلة الأولى على الإعلام الآخر، ونقصد به الفضائيات العربية والأميركية والدولية والصحف والإذاعات للترويج للمشروع الأميركي في العراق، وذلك لسببين أساسيين هما:
الأول: لم يجدوا حاجة ماسة لتشكيل مؤسسات إعلامية واسعة وكبيرة، في المرحلة الأولى، من الاحتلال، واتجهوا إلى فتح الأبواب أمام وسائل الإعلام العربية والعالمية للتحرك بحرية تامة في مختلف أنحاء العراق، شرط ان تتوجه آلات التصوير والتعليقات والأخبار باتجاهين متساويين، احدهما ينبش ويفتش ويشوه تجربة النظام السابق، وهذا يؤسس للتجربة الأميركية في العراق، ويعمل على تأهيل الميدان للاصوات القادمة من الخارج، التي تم تدريبها في براغ والولايات المتحدة، لتبدأ مهمتها الجديدة في العراق، والاتجاه الثاني: يأخذ على عاتقه مهمة الترويج والدعاية، لكل ما يحصل في العراق، من تحرك قوات المارينز في المدن وبين السكان، الى أي نشاط تؤديه مفاصل ما تبقى من الدولة العراقية، وبما يبرز مظاهر البناء الجديد الذي جاء به الأميركيون.
الثاني: ان الاسراع بتشكيل مؤسسات إعلامية جديدة، يتعارض مع المخطط الأميركي، الذي جاءت به عقلية الاحتلال، والتي وضعت في حساباتها الغاء وزارة الإعلام العراقية، من بين الوزارات التي تم الاستغناء عنها، ومنها وزارة الدفاع ايضا، وفي حال الاسراع بتشكيل هذه المؤسسات، سيدور الكثير من الغلط عن جدوى ذلك، اذا كانت الخطوة الاولى، قد اتجهت الى الغاء وزارة الإعلام، وجرت بهذا الشأن نقاشات واسعة تبناه دعاة المشروع الأميركي، وربطوا فيها بين الديمقراطية والسيطرة على وسائل الإعلام.
كما ان تأجيل انبثاق تلك المؤسسات، سيجعل الاف الإعلاميين والصحفيين من منتسبي وزارة الإعلام السابقة والمؤسسات الصحفية والإعلامية، في حال قلق دائم، لانهم يجهلون مصيرهم، كما تم حرمان هؤلاء من أية مرتبات، ما جعل عوائلهم في حالة من العوز والحاجة، بسبب صعوبة الانفاق عليها وعدم توفر مورد مالي، وهذا القلق والخوف من المستقبل، يتكفل باندفاع الكثير منهم، بعد ان يتم طحنهم بقوة، للانضمام الى المؤسسات التي يتم تأسيسها لاحقا. وقد تحقق ذلك فعلا.
ولتحقيق كل ذلك، فقد سارعت سلطة الاحتلال الى فتح جميع الابواب امام العراقيين لاستيراد منظومات الستالايت، وتم اغراق السوق العراقية بها، واتجه الجميع الى ذلك، وبدأ الضخ الإعلامي الى العوائل العراقية، يتم من خلال الفضائيات العربية والاجنبية، التي تخصص يوميا ساعات طويلة من البث للشأن العراقي، لسخونة الاوضاع فيه، وسرعة تطور الاحداث.
فأصبح المواطن العراقي اسير ما تبثه الفضائيات وما تغذيها به وكالات الانباء، وما ينقله المراسلون المحليون، الذين تم اختيارهم بعناية تامة وسنأتي على هذا الامر.