Wednesday, August 1. 2007
تحدث من وقت لآخر توترات في العلاقة العربية مع الولايات المتحدة, وتلك نتائج ينبغي ان تكون متوقعة, لتغييرات مهمة, جعلت أمريكا بعد الحادي عشر من سبتمبر2001, غيرها قبل هذا التاريخ.
كما ان العالم العربي نفسه تغير, ولم تعد أوضاعه, ونظرة القوي الخارحية لعلاقاتها معه, هي نفسها مثلما كانت قبل الحادي عشر من سبتمبر.
والعلاقة التبادلية التقليدية بين الولايات المتحدة والعالم العربي, طرأت عليها تحولات بفعل السياسة الأمريكية الجديدة التي غيرت مفاهيم ومواصفات العدو والصديق, والقول بأن الصديق يمكن ان يصبح في حسابات السياسة الخارجية الجديدة عدوا محتملا.
ان اتجاهات الفكر السياسي لجماعة المحافظون الجدد, التي تولت قيادة السياسة الخارجية في عهد الرئيس بوش, وشغل رجالها كل مراكز الشئون المختصة بالشرق الأوسط, في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض وعلي رأسهم إليوت أبرامز, وديفيد ورمس, وجون هاناه, وهم من اكبر دعاة الفكر الصهيوني, ضمن مجموعة المحافظون الجدد في حكومة بوش والتي صاغت السياسة الخارجية الهجومية, ومشروعات اعادة رسم الخريطة الاقليمية لأوضاع الشرق الأوسط, لوضع اسرائيل في مركزها, وأفكار تصفية القضية الفلسطينية, ومشروع الشرق الأوسط الكبير, لكن ذلك يجب ألا يضيق النظرة للمدي الممتد للاستراتيجية الأمريكية ويجعلنا نتصور أن رحيل المحافظون الجدد عن الحكم في عام2008, سيكون بمثابة تحول عن مجمل استراتيجية السياسة الخارجية لحكومة بوش والمعلنة في سبتمبر2002, لأن الحادي عشر من سبتمبر قد أدخل أبعادا جديدة علي الفكر السياسي الأمريكي, علي مستوي النخبة من صناع القرار السياسي, وعلي مستوي الرأي العام وفي مقدمة هذه الأبعاد, ما استقرت عليه مختلف التيارات المكونة للنخبة مابين الجمهوريين والديمقراطيين, ومابين المحافظين والليبراليين, من اعتبار الديمقراطية في العالم العربي, هي ضمانة للأمن القومي للولايات المتحدة, وكان ذلك تعديلا للنظرية التي أخذ بها المحافظون الجدد والقائلة بأن الارهاب الاسلامي هو العدو الذي يهدد الأمن القومي الأمريكي, وبحيث أخذت النظرة الجديدة بالمفهوم القائل بعدم التوقف امام الوجه الظاهر لمصدر تهديد الأمن القومي وهو الارهاب, وانما العودة الي الجذور, وهي غياب الديموقراطية, والتي اعتبروها هي المصدر الأصلي لتهديد الأمن القومي.
واذا كانت قد جرت تراجعات من جانب حكومة بوش تجاه هذا المفهوم فهي تراجعات تكتيكية, بينما يظل التوجه الأمريكي العام هو الأصل, وبالطبع مع مراجعات لاستراتيجية بوش واخطائها, ولهذا فالمتوقع للسياسة الخارجية في السنوات المقبلة, بقاء الكثير من الخطوط الرئيسية للسياسة الخارجية مع تعديلات تنزع عنها شراسة النزعات الأيديولوجية الهجومية للمحافظين الجدد. وقد تعود ـ وذلك حسب شخصية الرئيس القادم ـ الي المذهب الواقعي في السياسة الخارجية, والذي لايختلف مع التوجه الأيديولوجي الذي طبقه المحافظون الجدد والمسمي بالمذهب المثالي للسياسة الخارجية, وحيث لايختلف الاثنان علي الأهداف العامة والأساسية, لكنهما يختلفان حول وسائل وأساليب الوصول اليها.
فمثلا: يظل التحيز لاسرائيل ركنا أساسيا من أركان السياسة الخارجية في العلاقة مع العرب, صحيح ان المحافظين الجدد نقلوا الموقف الأمريكي من حالة التحيز, الي حالة التطابق الكامل مع فكر اليمين الاسرائيلي المتطرف, بحكم أنهم صهاينة حسب التوصيف الأمريكي لتوجهاتهم السياسية, لكن الصحيح أيضا ان صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة في مستويات السلطة التنفيذية, والكونجرس, ومراكز الفكر السياسي والاعلام يعيشون حالة تنشيط لأفكارهم من قنوات ووسائل متحيزة تماما لاسرائيل.
وإذا تأملنا مظاهر التوترات المتكررة في العلاقة العربية الأمريكية, فيجب ألا ان نغفل عن متغيرات طرأت علي السياسة الخارجية الأمريكية لابد ان تسفر عن هذه الظواهر:
فمثلا ـ1 ـ كانت إدارة السياسة علي الجانبين العربي والأمريكي, مبنية علي أساس أنها تعبر عن مصالح مشتركة. بينما السياسة الخارجية لحكومة بوش قد أوضحت أنها تعتبر أمورا تجري داخل دول عربية, تخص الأمن القومي الأمريكي وتؤثر عليه, وان سياستها الخارجية مكلفة بالتعامل مع هذه الأمور.
2 ـ كانت إدارة السياسة الخارجية تقوم علي تبادلية العلاقة, والاعتراف بما يسمي مساحة الاختلاف, بما يعني ان تعترف السياسة الامريكية للدول العربية بالتعبير بما يخص مصالحها الوطنية, ومصالح آمنها القومي, بسياسات قد تختلف مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة في بعض القضايا وان مساحة الاختلاف المقبولة والمعترف بها, هي نتيجة طبيعية لظروف محلية واقليمية, وعوامل الانتماء والخصصية الثقافية التي تفرض عليها مسارات معينة في سياستها الخارجية تجاه قضايا معينة.
ولهذا فالتوترات بين طرفي العلاقة هي تعبير عن خلل في ميزان العلاقة نشأ ـ كما أوضحنا بسبب التغيرات الكبيرة في السياسة الخارجية الامريكية دون أن تلحق بها تغييرات مماثلة في إدارة العرب لسياساتهم الخارجية بالشكل الذي يحفظ التوازن لهذه العلاقة.
وبصفة عامة فإذا كان متوقعا ان تحدث تغييرات مهمة في السياسة الخارجية لحكومة مابعد بوش, فالمتوقع أيضا أن تدخل في صناعة هذه السياسة أيضا نتائج احداث الحادي عشر من سبتمبر علي المجتمع الأمريكي, وحربهم ضد الارهاب, ونظرتهم لما يهدد أمنهم القومي.
|